شاهدت فى سيتى ستارز مساء الخميس الفيلم الإسبانى «العودة إلى حنصلة» إخراج شوس جوتيريز، بحضور المخرجة، واشتركت فى الندوة التى أقيمت بعد العرض، وهو الفيلم الذى عرض فى افتتاح مهرجان القاهرة، ومن المرجح أن يكون من بين الأفلام الفائزة فى المهرجان، الذى تعلن جوائزه مساء الجمعة. إنه هدية جميلة من إسبانيا إلى المهرجان بوصف السينما الإسبانية ضيف الشرف هذا العام، بل وهدية جميلة إلى مصر والعرب والبربر فى المغرب والمسلمين جميعاً، فإلى جانب أنه عرض عالمى أول، وسيعرض لأول مرة فى إسبانيا فى يناير المقبل، ثم فى المغرب، حيث تدور أحداثه فى مارس، يتناول قضية تشغل ضفتى المتوسط فى أوروبا من ناحية، والدول العربية من ناحية أخرى، وهى قضية الهجرة غير الشرعية للشباب العرب، الذين يفرون من الفقر للعمل والحياة على الشاطئ الآخر، فيلقون مصرعهم فى البحر بواسطة عصابات إجرامية تنقلهم بقوارب متهالكة غير آمنة، بل ويتعمدون أحياناً التخلص منهم. ولا يستمد الفيلم أهميته من تناول هذه القضية، فهو ليس فيلماً سياسياً عن أسباب الهجرة من الدول العربية، ولا عن أوضاع المهاجرين غير الشرعيين فى أوروبا، وإنما من معالجته الدرامية للموضوع على نحو يجعله من الأفلام الإنسانية الراقية، فهو عن مارتين (خوسيه لويز جارسيا بيريز)، الذى يملك شركة للجنازات فى إسبانيا، ويعمل على التعرف على جثث الشباب المغاربة وإعادتهم إلى ذويهم فى المغرب، وبذلك نصبح أمام تجار الموت الذين يستغلون الأحياء، وتجار الجثث الذين يستغلون الأموات فى الوقت نفسه. والفيلم من أفلام الطرق، ولكن رحلة السيارة التى يقودها مارتين مع جثة شاب مغربى وأخته ليلى (فرح حامد)، التى هاجرت منذ خمس سنوات وتعمل فى سوق السمك، وتعود بالجثة إلى قريتها حنصلة وأهلها من بربر المغرب، حتى يدفن الشاب فى بلاده. وينطق الفيلم بالإسبانية والعربية والبربرية. وعبر هذه الرحلة تتعمق العلاقة بين مارتين الذى قرر الانفصال عن زوجته وأم ابنته الشابة، وبين ليلى الوحيدة، ونرى جبال وسفوح المغرب الخلابة، ومدى تعاسة الفقراء من أهلها، وتتحول شخصية مارتين من المساومة على تكاليف نقل الجثة إلى إعادة الدفعة الأخيرة التى جمعها له شيوخ القرية عندما يكتشف أنه أمام مجموعة بشرية لها ثقافة عريقة متكاملة بربرية عربية إسلامية، وأن فقرهم لم يغير من أخلاقهم الكريمة المستمدة من تلك الثقافة. ويتميز الفيلم بأداء تمثيلى جيد، وكل عناصره الفنية جيدة بصفة عامة، كما تبدو أصالته فى وجود مشاهد وتفاصيل لا تعبر عنها إلا مخرجة امرأة، وقبل العناوين يعبر عن غرق الشاب من دون أن نراه فى افتتاحية مثل افتتاحيات الأعمال الموسيقية، ولكن بلغة السينما الخالصة. [email protected]