اعترض معظم خبراء الاقتصاد علي مشروع الدستور من الناحية الاقتصادية، نظرا لكونه لم يحدد هوية محددة للاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، وغير داعم للاقتصاد علي الرغم من أن المشكلة الاقتصادية هي أبرز المعوقات التي تقابل البلد في الوقت الحالي. حيث جاءت معظم المواد مختلطة وغير واضحة. وأضاف الخبراء أن المواد الخاصة بالاقتصاد لم يؤخذ فيها رأي الاقتصاديين بالشكل الكافي. أكد الدكتور حمدي عبدالعظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن نصوص المسودة للدستور لم تذكر الحدين الأدني والأقصي للأجور بالتزام واضح ومحدد، حيث ذكرت أن الحد الأدني للدولة يتم وفقا للقانون وكان المفترض أن يحدد الحد الأقصي للأجور الثابتة والمتغيرة من العمل، حتي لا دخل فيها مصادر دخل أخري من خارج جهة العمل. وأوضح أن المسودة لم تحدد الشكل الاقتصادي للدولة هل هو اشتراكي أم رأسمالي وما هي أسس قيامه علي العدالة الاجتماعية المنشودة؟ ففي المواد الخاصة بالملكية الخاصة وحمايتها وعدم مصادرتها إلا بحكم قضائي، لم توضح حالها في حالة نزعها للمنفعة العامة وما شكل ومعايير التعويض بالضبط وكان من المفترض أن يوازن بين الملكية الخاصة والعامة والتعاونية، كما كان يجب أن يضيف لاختصاص البنك المركزي رقابة علي البنوك ومكافحة غسيل الأموال. كما أكد أنه كان يجب النص علي ضمان استقلالية المجالس المحلية ماليا وإداريا وبحاسب المحافظ ووكلائه والوزارات الخدمية في تلك المحافظات دون تدخل من وزير التنمية المحلية أو أي سلطة تنفيذية وتكون قراراته ملزمة، وكان يفترض أن تنص المسودة علي تحقيق اللامركزية المالية والإدارية في مختلف المحافظات، وبالنسبة للجهاز المركزي للمحاسبات كان يفترض رئيساه بالانتخاب وليس بالتعيين لضمان رقابته واستقلاليته، كذلك نسبة ال 50% عمالا وفلاحين كان يفترض نفس النص لتمثيل العمال في مجالس إدارات الشركات. وقال الدكتور عبدالرحمن عليان أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس إن كل فصيل سعي لمصلحته في كتابة الدستور، هو الذي أوجد هذه الأزمة التي سيدفع المواطن البسيط ثمنها. وأشار إلي أن المواد الاقتصادية الحالية في الدستور الجديد لم تحدد النظام الاقتصادي للدولة وتساءل هل هو اقتصاد سوق حر أم اقتصاد إسلامي لأن به قصورا وغموضا ولا يخدم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مؤكدا أن عدم تحديد التوجه الاقتصادي للدولة سوف يدخل البلاد في مكان مظلم ويؤدي إلي هروب الاستثمارات. وأوضح أن هذه المواد لا تكفي لتحقيق العدالة الاجتماعية لأنها لا تحتوي علي أي آليات أو خطط فعلية تمكن الدولة من تحقيق العدالة الاجتماعية بالرغم من أنه المطلب الثوري الذي قامت لأجله ثورة 25 يناير. وأكد أن المواطن يهتم بتوفير احتياجاته من الخبز والطاقة وغيرهما من الأمور وأنه لا مخرج لهذه الأزمة سوي الحوار للوصول إلي معادلة يتفق عليها الجميع لأن هذه المواد كما يطلق عليها خبراء الاقتصاد مختلطة ويصعب التعامل بها. وأضاف أن هذا الدستور يجعل الحكومة تقبل أي مشروع يحقق أرباحا أو حتي خسائر وذلك لأنه يضع إطارا دستوريا يحد فيه شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي ومصدر التشريع الأساسي فيها والمقومات الأساسية والحقوق والواجبات. وأشار إلي أن هناك أغلبية تخدع الشعب المصري باسم الدين حتي أصبح المصريون أقلية أمامهم إلا أنهم يقومون بتسييس المنظمات الأهلية حتي يتم فرض الرقابة عليها ولا تستطيع القيام بدورها وبالتالي تقييد الحريات. وقال الدكتور أسامة عبدالخالق الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية إن المبادئ الاقتصادية لمسودة الدستور للأسف لم يتم الأخذ برأي خبراء الاقتصاد فيها بشكل كاف، مشيرا إلي أن المبادئ لم تحدد معالم الاقتصاد التي ستتبعها مصر خلال المرحلة المقبلة ويجب أن يكون هناك نص اقتصادي صريح علي أننا سنتبع النظام الاقتصادي الإسلامي المقيد غير الحر. وأشار إلي أن الدستور لم يحم مصر من تجريم عملية الخصخصة، مطالبا بقيام الدولة بدور فعال ومؤثر مثل الاستحواذ كليا أو جزئيا علي القطاعات الاقتصادية المؤثرة وعدم خصخصتها وأن تظل تحت سيطرة الدولة تأكيدا لدور الدولة وتوجيه النشاط الاقتصادي لمصر، إضافة إلي تفعيل دور النظام الاقتصادي الإسلامي بجانب الاقتصادي الرأسمالي المقيد لأن الاقتصاد الإسامي له مميزات نجحت تجاربها في دول عديدة مثل اندونيسيا وماليزيا وغيرهما سواء في النظم الاقتصادية المتبعة، أو النظام المصرفي، مشيرا إلي أن كل تلك التوجهات لم ينص عليها في نصوص مشروع الدستور. أضاف أنه لابد من تدخل الدولة لإدارة الاقتصاد بكل جوانبه خاصة أن النظام الرأسمالي الحر الذي لا تتدخل الدولة فيه قامت بتجربته معظم دول العالم وأثبت فشله بعد حدوث 5 أزمات اقتصادية عالمية طاحنة آخرها عام 2008 الماضي، مشيرا إلي أن الدولة يجب أن يكون لها دور وتأثير في جوانب اقتصادية عديدة ولا تترك الأمر للقطاع الخاص بالكامل وأن ما تم من اتباعه من خصخصة في الماضي خطأ فادح من بيع شركات مؤثرة للاقتصاد بمبالغ زهيدة. وأكد الدكتور صلاح ا لدين فهمي رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر أن الدستور تناسي تحديد الهوية الاقتصادية للاقتصاد المصري ففي عهد جمال عبدالناصر تم استخدام النظام الاشتراكي ونص الدستور عليه، ولكن حينما جاء السادات عدلت المبادئ الاقتصادية وتحرر الاقتصاد علي استحياء، وفي عهد مبارك تم استخدام النظام الرأسمالي بشكل تام، ولكن في عهد الدكتور مرسي لا توجد هوية محددة لهيكل الاقتصاد. وأضاف أن المبادئ الاقتصادية لم تبين هل مصر دولة حرة أم اشتراكية أم إسلامية أم مختلطة بشكل صريح، مشيرا إلي أن ما جاء في الدستور هو الأقرب للنظام الإسلامي، إضافة إلي عدم وضوح دور الدولة في الاقتصاد فجاءت لترسم السياسات فقط ووضع الخطوط الاسترشادية دون الإسهام في تحقيق عمليات التكافل والتكامل ومشروعات البنية التحتية.. وأشار إلي أن هناك مشكلات عديدة تواجه العمليات الاقتصادية التي كان يمكن حلها بورود نص لها في الدستور كعمليات التمويل فهناك مشكلة في التمويل في مصر، إضافة إلي عدم التوسع في التمويل الإسلامي حتي الآن، وهو الأمر الذي كان يمكن التغلب عليه بالسماح بجميع أنواع التمويل إسلاميا كان أو غير إسلامي للاستفادة من السيولة الموجودة في السوق المحلية. وأكد أن المبادئ الاقتصادية التي جاءت في الدستور لا ترتقي لصياغة الدستور المصري وإنما يمكن أن تكون مجرد برنامج اقتصادي، مرجعا ذلك إلي غياب المجموعة الاقتصادية المكونة من أساتذة الاقتصاد علي وضع ملامح الدستور، مطالبا بضرورة إعداد مبادئ اقتصادية حاكمة لجميع القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة لتكمل الدستور.