تباينت آراء خبراء الاقتصاد حول المسودة النهائية للدستور التي من المقرر الاستفتاء عليه يوم15 ديسمبر الحالي, فالبعض استنكر تجاهل المبادئ الاقتصادية التي وردت بالدستور للهوية الاقتصادية لمصر, وفلسفة النظام الاقتصادي التي علي أساسها يتوافد المستثمرون علي الدولة للاستثمار فيها. وأكدوا أن المبادئ التي جاءت لاترتقي لمبادئ اقتصادية عامة في دستور دولة, وإنما تأخذ هيكل البرنامج الاقتصادي لحزب ما أو مرشح في الانتخاب. وفي المقابل رأي البعض الآخر أن المبادئ الاقتصادية في الدستور توضح هوية الدولة والأحكام العامة وحلت محل دستور1971 إضافة إلي أنها تضمنت المقومات الأساسية والحقوق والواجبات التي تؤكد سيادة القانون. وقال د. حسن شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي ان الدستو يدعو للطمأنة حيث وضح هوية الدولة والأحكام العامة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واعتمد علي التفصيل بخلاف المتعارف عليه في الإعلانات الدستورية لأنه يضع إطارا دستوريا يحدد فيه شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي ومصدر التشريع الأساسي فيها والمقومات الأساسية والحقوق والواجبات ويؤكد سيادة القانون. واشار إلي أنالدستور يتضمن التعديلات الدستورية التي أقرتها غالبية المصريين في الاستفتاء الشعبي في19 مارس الماضي. واضاف أنه تم التوافق علي معايير لصياغة الدستور الجديد لمصر بما يحقق مطالب ثورة25 ينايرفي الحرية والعدالة الاجتماعية و اننا نحتاج إلي مزيد من الحريات موضحا أن القهر والاستبداد الذي عاش فيه الشعب المصري لايؤدي لتنمية أو نهضة حقيقية.وقال الدكتور عبد الرحمن عليان أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس ان كل شريحة في المجتمع تريد أن تكتب دستورا خاصا بها وهذا يجعلهم يدققون في التفاصيل و أن مصر بلد لها تاريخ ولديها ثوابت من آلاف السنين وهو ما كان من المفترض أن ينعكس علي الأداء في كتابة الدستور ولكن سعي كل فصيل لمصلحته هو الذي أوجد هذه الأزمة التي سيدفع المواطن البسيط ثمنها. وأشار إلي أن المواد الاقتصادية الحالية في الدستور الجديد لم تحدد النظام الاقتصادي للدولة وتساءل هل هو اقتصاد سوق حر أم اقتصاد إسلامي لأن به قصورا وغموضا ولا يخدم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مؤكدا أن عدم تحديد التوجه الاقتصادي للدولة سوف يدخل البلاد في مكان مظلم ويؤدي إلي هروب الاستثمارات. وأوضح ان هذه المواد لاتكفي لتحقيق العدالة الاجتماعية لانها لا تحتوي علي أي آليات أو خطط فعلية تمكن للدولة منتحقيق العدالة الاجتماعية بالرغم من انه المطلب الثوري الذي قامت لأجله ثورة25 يناير.وأكد انالمواطن يهتم بتوفير احتياجاته من الخبز والطاقة وغيرها من الأمور و أنه لا مخرج لهذه الأزمة سوي الحوار للوصول إلي معادلة يتفق عليها الجميع لان هذه المواد كما يطلق عليها خبراء الاقتصاد انها مختلطة ويصعب التعامل بها. وأضاف ان هذا الدستور يجعل الحكومة تقبل اي مشروع يحقق أرباحا أو حتي خسائر وذلك لأنه يضع إطارا دستوريا يحدد فيه شكل الدولة وطبيعه نظامها السياسي ومصدر التشريع الأساسي فيها والمقومات الأساسية والحقوق والواجبات. واشار إلي أن هناك أغلبية تخدع الشعب المصري باسم الدين حتي أصبح المصريون اقلية امامهم الا أنهم يقومون بتسييس المنظمات الأهلية حتي يتم فرض الرقابة عليها ولا تستطيع القيام بدورها وبالتالي تقييد الحريات. وقال الدكتور أسامه عبد الخالق الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية ان المبادئ الاقتصادية لمسودة الدستور للأسف لم يتم الاخذ برأي خبراء الاقتصاد فيها بشكل كاف, مشيرا الي ان المبادئ لم تحدد معالم الاقتصاد التي ستتبعها مصر خلال المرحلة المقبلة ويجب ان يكون هناك نص اقتصادي صريح علي اننا سنتبع النظام الاقتصادي الاسلامي المقيد غير الحر. وأشار إلي ان الدستور لم يحم مصر من تجريم عملية الخصخصة, مطالبا بقيام الدولة بدور فعال ومؤثر مثل الاستحواذ كليا او جزئيا علي القطاعات الاقتصادية المؤثرة وعدم خصخصتها وان تظل تحت سيطرة الدولة تأكيدا لدور الدولة وتوجيه النشاط الاقتصادي لمصر, اضافة الي تفعيل دور النظام الاقتصادي الاسلامي بجانب الاقتصادي الرأسمالي المقيد لان الاقتصاد الاسلامي له مميزات نجحت تجاربها في دول عديدة مثل اندونيسيا وماليزيا وغيرها سواء في النظم الاقتصادية المتبعة, او النظام المصرفي, مشيرا الي ان كل تلك التوجهات لم ينص عليها في نصوص مشروع الدستور. أضاف أنه لابد من تدخل الدولة لادارة الاقتصاد بكل جوانبه خاصة ان النظام الرأسمالي الحر الذي لا تتدخل الدولة فيه قامت بتجربته معظم دول العالم واثبت فشله بعد حدوث5 ازمات اقتصادية عالمية طاحنة اخرها عام2008 الماضي, مشيرا الي ان الدولة يجب ان يكون لها دور وتأثير في جوانب اقتصادية عديدة ولا تترك الامر للقطاع الخاص بالكامل وان ما تم من اتباعه من خصخصة في الماضي خطأ فادح من بيع شركات مؤثرة للاقتصاد بمبالغ زهيدة. وأكد الدكتور صلاح الدين فهمي رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الازهر أن الدستور تناسي تحديد الهوية الاقتصادية للاقتصاد المصري ففي عهد جمال عبد الناصر تم استخدام النظام الاشتراكي ونص الدستور عليه, ولكن حينما جاء السادات عدلت المبادئ الاقتصادية وتحرر الاقتصاد علي استحياء, وفي عهد مبارك تم استخدام النظام الرأسمالي بشكل تام, ولكن في عهد الدكتور مرسي لا توجد هوية محددة لهيكل الاقتصاد. وأضاف ان المبادئ الاقتصادية لم تبين هل مصر دولة حرة ام اشتراكية أم اسلامية أم مختلطة بشكل صريح, مشيرا الي ان ما جاء في الدستور هو الاقرب للنظام الاسلامي, إضافة الي عدم وضوح دور الدولة في الاقتصاد فجاءت لترسم السياسات فقط ووضع الخطوط الاسترشادية دون المساهمة في تحقيق عمليات التكافل والتكامل ومشروعات البنية التحتية. وأشار الي ان هناك مشكلات عديدة تواجه العمليات الاقتصادية التي كان يمكن حلها بورود نص لها في الدستور كعمليات التمويل فهناك مشكلة في التمويل في مصر, إضافة الي عدم التوسع في التمويل الاسلامي حتي الان, وهو الامر الذي كان يمكن التغلب عليه بالسماح بجميع انواع التمويل سواء اسلامي او غير اسلامي للاستفادة من السيولة الموجودة في السوق المحلية.وأكد ان المبادئ الاقتصادية التي جاءت في الدستور لا ترتقي لصياغة الدستور المصري وانما يمكن ان تكون مجرد برنامج اقتصادي, مرجعا ذلك لغياب المجموعة الاقتصادية المكونة من اساتذة الاقتصاد علي وضع ملامح الدستور, مطالبا بضرورة اعداد مبادئ اقتصادية حاكمة لجميع القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة لتكمل الدستور.