تواجه القوات العسكرية الامريكية ازمة متفاقمة متعددة الاوجه فقد دخلت في حربين في آن واحد في افغانستان والعراق، ومنيت بخسائر فادحة خاصة في العراق حيث قتل اكثر من 3800 جندي امريكي فضلا عن سقوط آلاف الجرحي الذين يتعذر علي بعضهم العودة الي الخدمة العسكرية مؤقتا او دائما بسبب الاصابة. وهذا فضلا عن تقارير اعلامية تتحدث عن زيادة في نسبةالفارين من الجندية وانها بلغت منذ عام 2003 وحتي العام الجاري 80% حسب صحيفة لوس انجلوس تايمز، اضافة الي لجوء بعض الجنود الي الانتحار. وبسبب كل هذا والحاجة للمزيد من الجنود لانجاز المهمات المنوطة بالمؤسسة العسكرية صدرت تصريحات عدة لقادة امريكيين تنبه الي وجود عجز وتناقص في اعداد الجنود الامريكيين والحاجة الماسة لمزيد من المتطوعين وسط امتناع الشعب عن التطوع. وقد انعكست هذه الصورة السلبية علي اداء المؤسسة العسكرية عموما والجيش الامريكي (القوات البرية) خصوصا، حيث قدر رئيس اركان القوات البرية الامريكية الجنرال جورج كيسي ان الجيش الامريكي يحتاج الي سنوات لاستعادة نمط عمله الطبيعي بعد عمليات الانتشار المتكررة التي قام بها خلال ست سنوات من التدخل العسكري في افغانستان والعراق. ومن جهة اخري لايزال النقاش يحتدم في الكونجرس الامريكي حول جدوي بقاء القوات الامريكية في العراق والهدف منه، وهل يتناسب مع التضحيات التي تبذل والمال الذي ينفق، خاصة ان مكتب الكونجرس الامريكي خلص في دراسة له الي ان الحرب في العراق وافغانستان قد تكلف دافعي الضرائب اذا استمرت نحو 2.4 تريليون دولار بحلول 2017. ويخوض الديمقراطيون معركة مع الادارة الامريكية الجمهورية في هذا الشأن حيث حاولوا ربط الانسحاب من العراق بجدول لتمويل مهمات الجيش والحرب، ورفضوا مؤخرا تقديم الاعتمادات المالية التي طلبها الرئيس جورج بوش (196 مليار دولار) لاستمرار المهمات للعسكرية الامريكية الخارجية في افغانستان والعراق، ولم تحسم المسألة حتي هذه اللحظة. ولتحليل الازمة ومدي تفاقمها أو وجود حلول لها يقول باحث في معهد كارنيجي للسلام ان جوهر الأزمة يتعلق بتراجع الاقبال من المواطنين الامريكيين علي التطوع في المؤسسة العسكرية بسبب ضعف الثقة في قدرتها علي القيام بالمهمات المطلوبة منها نتيجة للخسائر التي منيت بها، ولتشوه سمعتها نتيجة خرق بعض افرادها لحقوق الانسان. ويستبعد اللجوء لفرض الخدمة الالزامية كحل لأزمة التطوع، لأنها مسألة ثقافية وكل شيء في امريكا قائم علي الاختيار، ولأن حق الدعوة الي التجنيد الذي اعطي للكونجرس هو استثنائي جدا. في حين يؤكد باحث آخر ان الادارة تتحايل علي الخدمة الالزامية بتقديم اغراءات غيرعادية واستثنائية لمن يلتحق بالقوات العسكرية مثل منح الجنسية أو منحهم مبالغ مالية كبيرة وامتيازات اجتماعية وصحية. وتتحايل كذلك بتعديل القوانين حيث مددت فترة الخدمة الميدانية للعسكريين من 12 شهرا الي 15 شهرا، وسدت منافذ الخروج من المؤسسة بمنع التقاعد. اما عن التنازع في الكونجرس الامريكي حول تمويل المؤسسة العسكرية خاصة القوات العاملة خارج الأراضي الامريكية فيري البعض انه استثنائي، ونتيجة لضعف الثقة في الجيش وانه سيكرس الازمة ولن يحلها. ان هذه البيئة الضاغطة ستفرض قيودا وعراقيل علي الادارة الامريكية وعلي الجيش الامريكي علي المدي القصير، وتحديدا فيما يتعلق بضرب ايران، اما علي المدي الطويل فان فكرة الجيش الامريكي الامبراطوري ستهتز. بعيدا عن هذا الطرح فإن المشروع الامريكي المعتمد علي الهيمنة المباشرة والانتشار معرض للتراجع والانهيار وانه لن يكون للجيش العدد الكافي لأداء مهماته. وان البدائل التي تعتمدها الادارة الامريكية حاليا ومنها احالة مهمات الجيش العسكرية الي شركات أمنية ومرتزقة، وانشاء مليشيات لتؤدي بعض المهمات مكان القوات العسكرية كما في العراق، أو بدفع دول للانتشار في دول اخري تحقيقا لسياسات امريكا مثل دفع اثيوبيا لدخول الصومال.