لماذا تقود فرنسا الحرب ضد ليبيا.. وأسباب تردد «أوباما»؟ «نيكولاي ساركوزي» سيدخل تاريخ الحرب ضد ليبيا التي تدور رحاها هذه الأيام باعتباره «بطل الضربة الجوية الأولي» ضد قوات العقيد القذافي، بعد أن قادت فرنسا مجلس الأمن إلي اتخاذ القرار 1970 لفرض حظر جوي علي الجماهيرية، كما اعترفت فرنسا كأول دولة في العالم بالمعارضة الليبية كممثل للشعب الليبي، واحتلت القوات الفرنسية المكانة الأولي من حيث عدد القوات الجوية والبحرية حيث بدأت أولي الهجمات الجوية والبحرية، وكانت الطائرات الفرنسية هي أول من نجح في إسقاط مقاتلة ليبية في السماء. واستقبلت باريس أول وفد للمعارضة الليبية، كما رعت أكبر مؤتمر دولي لدراسة الموقف في ليبيا وتحديد خيارات الحاضر والمستقبل للتعامل مع الموقف هناك علي جميع الأصعدة. وفي بريطانيا والولاياتالمتحدة وإيطاليا علي وجه الخصوص ردود فعل مختلفة إزاء الدور الفرنسي، فشنت الصحف البريطانية حملة انتقادات ضد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لأنه «انساق» وراء قيادة «ساركوزي» الذي نجح ببساطة في إقناعه بسرعة شديدة للانضمام إلي جهوده العسكرية والسياسية التي تخدم مصلحة فرنسا أولا. وفي أمريكا وفي الولاياتالمتحدة، انتقدت أيضا بعض الصحف الأمريكية الرئيس «باراك أوباما» علي أساس أنه تصرف بتردد وبضعف إزاء السرعة التي تحرك بها «ساركوزي» حيث اهتم أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بالتأكيد ليل نهار علي أن الولاياتالمتحدة لا تخوض حربا ثالثة ضد دولة إسلامية بعد حربي أفغانستان والعراق، وأنه اهتم أكثر بالبحث عن غطاء عربي قوي، والتخلص أساسا من العملية العسكرية بإلقاء القيادة إلي حلف «الناتو». وفي إيطاليا الدولة التي استعمرت ليبيا عدة عقود وتعتبرها مجالها الحيوي، فإن رئيس الوزراء «بيرلسكوني» المنشغل بمحاولة تبرئة ساحاته من سيل القضايا الجنسية ضده، لم يتحرك بالسرعة التي تحرك بها ساركوزي، وقدمت إيطاليا قوات عسكرية وطائرات دون أن تلعب الدور السياسي الذي تلعبه فرنسا، التي لم تتردد في الرد علي الانتقادات التي وجهت إلي دورها حتي من الصمت وهيئات أمريكية بالتأكيد علي أن ليبيا هي الحديقة الخلفية لفرنسا، وهي بالتأكيد ليست الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. قيادة المتوسط وتنظر تركيا أيضا بغضب إلي دور فرنسا المتصاعد في الأزمة الليبية وقيادتها عمليا للتحالف الدولي، فهي تشعر أن غريمتها التي تحول دون انضمامها إلي الاتحاد الأوروبي ستتمكن قريبا من تولي دور رئيسي في صياغة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في حوض البحر المتوسط، في ضوء الدور الذي كان منوطا بتركيا أن تلعبه في هذا المجال من خلال الاتحاد المتوسطي تعويضا لها عن عدم ضمها للاتحاد الأوروبي. وتنظر دول أخري مثل الصين وروسيا والهند بكثير من القلق إلي الدور الفرنسي المتصاعد والذي قد يحصد الاستثمارات في ليبيا ودول شمال أفريقيا حيث مستعمراتها القديمة «تونس - الجزائر - المغرب» وهي تضم إليها ليبيا مصدر القلق والتوتر والتي عرقلت جميع مشروعات فرنسا الاستراتيجية تجاه حوض المتوسط، وهذه الدول الثلاث إضافة إلي ألمانيا امتنعت عن التصويت علي قرار مجلس الأمن 1973 ضد ليبيا. دعم شعبية «ساركوزي» وعلي الصعيد الداخلي فإن ساركوزي لم يتلكأ في التعامل مع الأزمة الليبية كما فعل سابقا مع ثورتي تونس ومصر، إذ ظل يتابع الموقف خشية إغضاب حليفيه «بن علي» و«مبارك»، ولكنه سارع هذه المرة للوقوف ضد القذافي علي الرغم من أنه استقبله عام 2007 في الإليزيه استقبالا حافلا ووقع معه عقودا بقيمة 10 مليارات يورو للتعاون في مجالات مختلفة، وبالتأكيد فإن ساركوزي يراهن هذه المرة علي إسقاط نظام القذافي ليصبح محرر ليبيا الأول في ظل حالتي الضعف والتخاذل العربي، حيث اكتفي العالم العربي بإلقاء المسئولية علي عاتق الجامعة العربية التي دعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن للقيام بمسئوليتهما، وحين تم اتخاذ قرار 1973 علي وجه الخصوص تراجعت الجامعة العربية وقالت إن المطلوب دوليا كان حماية الشعب الليبي من هجمات جيش القذافي وليس ضرب هذا الجيش وتدمير ليبيا! وهكذا ارتفعت شعبية ساركوزي في فرنسا ولدي أوساط المقاومة الليبية، ولا يمانع الرأي العام في فرنسا من استمرار دعم المقاومة الليبية وتسليحها حتي تتمكن من مواصلة المرحلة الثانية بعد حمايتها من هجمات القذافي بالزحف علي طرابلس لإسقاط نظام القذافي، أو علي أقل تقدير السيطرة علي أكثر من نصف ليبيا، وتقوم فرنسا ببقية المهمة لحشد المجتمع الدولي للاعتراف بالمجلس الوطني الليبي ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الليبي. وبالتأكيد فإن ساركوزي لن يغلق كل الطرق أمام القذافي، فهو الوحيد القادر علي رعاية مفاوضات سرية وغير مباشرة بين المعارضة الليبية ونظام القذافي للبحث عن حل ملائم للجانبين في حال تعذر علي أي منهما تحقيق النصر النهائي علي الآخر، وهناك اقتراحات لإجراء تغييرات سياسية شاملة وإصدار دستور والسماح بالأحزاب السياسية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لا يترشح لها القذافي أو أي من أولاده للانتقال نحو الديمقراطية. القيادة للناتو وعلي الرغم من قرار نقل قيادة العمليات لحلف الناتو والدول الحليفة مثل قطر والإمارات، فإن فرنسا تظل اللاعب الرئيسي في الأزمة الليبية بعد أن أصبحت العمليات العسكرية في نهايتها من حيث إضعاف شامل لقوات القذافي التي تتراجع فيما يتقدم الثوار لمطاردة قواته «شبر شبر» و«زنجا زنجا» بعد أن استعادت «اجدابيا» و«البريقة» وفي طريقها نحو «رأس لانوف» ومصراتة من جديد، حيث تستمر الحرب في ليبيا مفتوحة علي سيناريوهات مختلفة ويطل ساركوزي وراءها جميعا.