الملاحظ.. أن فرنسا تتصدر المشهد حالياً فيما يتعلق بالأزمة الليبية والثورة المندلعة فيها.. وحرب الإبادة التي يشنها القذافي ضد المعارضة. والتي يستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية! ولا شك.. أن فرنسا واحدة من الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.. أي أنها دولة كبري من الدرجة الأولي! وفي الماضي.. كان الموقف الفرنسي "المعلن" يعارض الغزو الأمريكي للعراق.. وكانت أمريكا وبريطانيا هما الدولتان اللتان تتبنيان الخيار العسكري ضد صدام حسين.. وكذلك في عملية غزو أفغانستان! الآن فرنسا تتبني فرض الحظر الجوي علي قوات القذافي.. وهي أول دولة.. وربما كانت الدولة الوحيدة التي اعترفت رسمياً بالمجلس الوطني الانتقالي الذي يقود المعارضة الليبية.. أي أنها تتصدر المشهد الدولي في الأزمة الليبية. في حين تراجعت الولاياتالمتحدة وبريطانيا إلي الخلفية.. فما هو السر؟! ربما ظلت فرنسا خلال الأزمات الدولية الماضية مثل غزو العراق وأفغانستان في خلفية الصورة.. حيث تصدرتها الولاياتالمتحدة. حينما كان اليمين الجمهوري يتولي السلطة في البيت الأبيض.. وباعتبار أن أمريكا كانت الدولة المتضررة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبالتالي فلابد أن تقود "عملية الانتقام" إن جاز لنا هذا التعبير.. كما أن أحلام التوسع الامبراطوري الأمريكي كانت في أوجها آنذاك. الآن.. أمريكا يحكمها أوباما الذي ينتمي للحزب الديمقراطي.. ونحن نعلم الظروف التي جاءت بأوباما إلي الحكم.. كما نعلم أن أمريكا قامت بتصعيده من أجل تحسين صورتها في العالم.. وخاصة في العالم العربي والإسلامي.. وبالتالي فقد آثرت إدارة أوباما أن تحرك الأحداث من خلف الكواليس.. أو بالأصح من خلف فرنسا برئاسة ساركوزي وهو من اليمين الفرنسي المتطرف.. أي أنه "جمهوري" ولكنه فرنسي وليس أمريكياً..!! والحقيقة.. أن صورة فرنسا في العالمين العربي والإسلامي ليست كصورة أمريكا.. ثم إن إدارة الأزمة الليبية جرت بشكل يختلف عن كيفية إدارة الأزمة العراقية والأزمة الأفغانية.. فقد نزع العالم الغربي إلي استدراج الجامعة العربية أو الدول الأعضاء فيها للحصول علي موافقة بل دعوة لفرض الحظر الجوي علي ليبيا.. وبالتالي يتم ضرب عصفورين بحجر واحد وهو عدم تحمل الدول الغربية مسئولية التدخل في الشأن الليبي.. وكذلك تحميل الجامعة العربية المسئولية.. ليبدو الغرب بريئاً من أية نتائج قد تترتب علي فرض الحظر الجوي وما قد يحتاج إليه من قصف قواعد الدفاع الجوي الليبية وغير ذلك! كذلك.. فإن فرنسا كدولة عظمي.. تريد أن يكون لها دور فاعل علي الساحة الدولية وبشكل ظاهر. بحيث لاتبدو وكأنها تابع يسير وراء أمريكا.. ففضلت الأخذ بزمام المبادرة والاعتراف المبكر بالمجلس الوطني الانتقالي.. وكذلك المناداة بفرض حظر جوي علي ليبيا.. في ظل حصانة مما قد يترتب علي ذلك من كراهية تدخلها في شأن عربي.. وهذه الحصانة تمثلت في موقف جامعة الدول العربية عندما طالبت مجلس الأمن باتخاذ الاجراءات اللازمة لفرض حظر جوي علي ليبيا.. أو بمعني أصح علي القذافي! ثم إن الولاياتالمتحدة وبريطانيا قد ضمنت كل منهما تحقيق مصالحها البترولية في العراق ومنطقة الخليج.. فإن فرنسا تجد في ليبيا ضالتها المنشودة لتأمين مصالحها البترولية المستقبلية.. خصوصاً وأن البترول الليبي يشكل ميزة نسبية لفرنسا بسبب القرب الجغرافي لليبيا من فرنسا..!!