أحذروا مكارثية جديدة في منتصف خمسينيات القرن الماضي وفي أوج اشتعال الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، قاد النائب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي «جوزيف مكارثي» علي امتداد خمس سنوات بين عامي 1950 و1955، حملة غوغائية شعواء علي ما سماه الخطر الشيوعي، رافعا شعار «أمسك شيوعي» متعقبا في الإدارة الأمريكية، والمجتمع الأمريكي كل صاحب رأي أو فكر، يدعو إلي العدالة الاجتماعية، وإلي تقليل الفوارق بين الطبقات، وتحسين شروط العمل، والأوضاع الاقتصادية للعمال وصغار الموظفين، واصفا إياهم بجيش من الشيوعيين والجواسيس، وسارع مكارثي بإعداد قوائم من هؤلاء، كان من بين من شملتهم من الكتاب والممثلين والمخرجين والمغنين والفنانين: شارلي شابلن، وارسون ويلز، ولي جرانت وبول روبنسون وليليا هيليمان، وب. دوبوا المؤلف والناشط الحقوقي وروبرت ابونهامير الملقب بأبي القنبلة الذرية وغيرهم من الكتاب والصحفيين والعلماء والفنانين، الذين خضعوا لتحقيقات مكثفة أمام لجنة التحقيق الدائمة التي شكلها الكونجرس برئاسة مكارثي. وكان من نتائج تلك التحقيقات توزيع اتهامات جزافية لا دليل عليها لكل من اتهم منهم بالشيوعية ، وتم بناء عليها منع أفلام من العرض، وكتب من التداول، وحرم الصحفيون من مزاولة المهنة، وتم وضع قوائم سوداء لأسماء كتاب وفنانين وأساتذة جامعات لملاحقة أعمالهم في القارة الأوروبية، مما دفع المئات ممن شملتهم تلك القوائم للهجرة أو الانزواء بعيدا عن الأضواء وخشية استمرار الملاحقة والاعتقال. تذكرت هذا التاريخ المرير وأنا اقرأ قوائم سوداء تداولتها الصحف تضم اسماء لفنانين وإعلاميين وكتاب ممن توجه إليهم التهم بخيانة ثورة شباب 25 يناير لأن أحدا منهم وجه نقدا هنا أو رأيا مخالفا هناك. لقد استعار واضعو تلك القوائم عقلية «جوزيف مكارثي» ونظرية جورج بوش الابن، المدمرة القائمة علي أن من ليس معنا فهو علينا، لتتغلب روح الانتقام والثأر وتصفية الحسابات علي مسلك الحوار والتواصل والقبول بالمختلف وهو ما تنطوي عليه قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان التي دعت إليها الثورة يخطئ كل من يظن أن «حسني مبارك» الذي عمل في هذا الوطن وحكمه لنحو أكثر من خمسين عاما، ليس له أنصارا ومؤيدين بل ومحبين، لا بحكم المصالح فقط بل بحكم العشرة والاعتياد، ومن غير المقبول أو المعقول أن يكون كل من أيده أو أبدي تعاطفا معه أثناء الانتفاضة خائنا للثورة ورقما في تلك القوائم السوداء التي لا نعلم حتي الآن من الذي يعدها. لقد قوضت الثورة حكم مبارك، لكنها من المفترض أن ترسي تقاليد جديدة تمتثل أول ما تمتثل لاحترام حريات الرأي والتعبير، ونبذ أسلوب التخوين ونزعات الثأر والانتقام وبذر الفرقة وكيل الاتهامات الجزافية التي لا ادلة عليها. ليس كل كم أيدا مبارك عدوا و ولتتوقف فورا حملات التخوين والتخويف وعلينا أن نقاوم في أنفسنا وفي غيرنا نزعات التسلط والتعصب للرأي، واستسهال الادانة، وأن يقتنع كل منا بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وأنه قد يختلف مع الآخرين في الرأي، لكنه علي استعداد لأن يدفع حياته ثمنا للدفاع عن حقه في التعبير عنه، فلتمتنع كل الصحف المصرية عن نشر تلك القوائم وليتزعم قادة الشباب حملة للتنديد بها، تأكيدا للحرية وللكرامة الإنسانية وللعدالة، التي سالت دماء الشهداء من أجل تحقيقها، وأحذروا من مخاطر مكارثية جديدة.