الشيوعيون الأمريكيون من النجاح النسبي إلي الاضطهاد الرسمي في عشرينيات القرن الماضي استيقظ الشيوعيون الأمريكيون علي كثير من الحقائق المؤلمة المحيطة بهم - بالأحري التي تحاصرهم - في الواقع الأمريكي . كانت هناك العنصرية التي خلفتها وراءها انتصارات التحرر من العبودية في الحرب الأهلية قبل اكثر من نصف قرن . وكان هناك الشعور العميق لدي الأمريكيين بكراهية الاجانب في بلد كان قد بني وجوده علي الاجانب ، اي علي المهاجرين اساسا من اوروبا ومن افريقيا وآسيا وقلة من بلدان اخري مثل بلدان الشرق الاوسط ،وكان هناك ايضا العداء للطبقة العاملة الذي اتخذ مواقف سياسية واجتماعية شتي . وفوق هذا كله جاءت في نهاية العشرينيات من القرن الماضي ،وبعد نهاية الحرب العالمية الاولي ،مشكلات الكساد الكبير في النظام الرأسمالي ليضاعف مشكلات الرأسماليين ومشكلات العمال معا . أحس الشيوعيون بانه لا يوجد ضوء يهتدون به في داخل المجتمع الأمريكي وانه لا توجد تجربة هادية في العالم الخارجي سوي التجربة البلشفية الآتية من الشرق . فلم يكن ثمة بديل عن الاهتداء بها . وكان قد بدا ان العالم يتبني الشيوعية في نضالاته القومية وليس في نضالاته الاقتصادية والاجتماعية فحسب . بدت اللينينية هي نداء القرن العشرين لشعوب العالم وكان لابد ان تتبناها الماركسية الأمريكية . ولما لم تكن هناك مسألة قومية - كحال بلدان الشرق والمستعمرات فان الماركسيين الأمريكيين عمدوا الي دمج المسالة الطبقية بالمسألة القومية النظرية مع التحول الاشتراكي الذي كانوا يسعون اليه علي وجه التحديد كهدف اساسي .ويقول المؤرخ الماركسي الأمريكي بول بوهلي في كتابه "الماركسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية" ان اللينينيين الأمريكيين واجهوا ما تبين لهم انها مشكلات تختلف عن تلك التي كانت تواجهها روسيا قبل الثورة البلشفية، وادي هذا الي تحولهم من ثوريين من الطراز اللينيني الي طراز اخر للينينية اقرب للنزعة الاصلاحية . مع ذلك فقد كان عليهم ان يسيروا علي خطي الثورة البلشفية ( الامر الذي اعتبره اعداؤهم بمثابة الانصياع لتوجيهات موسكو) وازاء هذا الوضع - وحسب توصيف بوهلي - كان من الواضح ان الشيوعيين الأمريكيين وخصومهم كان بينهما شيء مشترك هو ان كلا منهما يقف في جانب اقلية تريد ان تغير التاريخ والاقليات لا تستطيع ان تغير التاريخ اصلا او تشكله . من هنا ظهر ان المذهب الماركسي الأمريكي - اذا جاز التعبير - كان يفسر هدفه في مجتمع الاستهلاك بانه نيل نصيب اكبر من الوفرة المادية. ولم يكن هذا هدف قريب من اهداف الماركسيين في اوروبا الرامية الي القضاء علي الفاشية وتبني الديمقراطية . ربما لهذا ظهر مصطلح التعددية ليصف ما يرمي اليه اليسار الماركسي في الولاياتالمتحدة .وفي هذا الجو استطاع الشيوعيون الأمريكيون ان يعززوا نفوذهم بين اولئك الذين وحدوا اهدافهم مع الشيوعية ومع التغيرات الاجتماعية التي استطاعوا هم انفسهم ان يساهموا في بنائها . اما بتعبير نائب زعيم الحزب في ذلك الوقت ايرل براودر فان "الشيوعية كنزعة أمريكية في القرن العشرين اوجدت نوعا من التجربة في عملية امركة الماركسية." ولهذا فان شعارات الاتحادات النقابية والضمان الاجتماعي والليبرالية المعادية للفاشية دقت بالفعل علي وتر حقيقي بين جماهير الناس الذين كانوا يشعرون بانهم اغراب (اجانب) ومنبوذون بل اعداء . لقد اعطتهم شعارات اليسار الشيوعي شعورا بانهم يعودون الي وطنهم. علي العكس تماما من ذلك تقول "موسوعة الاسرة للتاريخ الأمريكي "- وهي ذات اتجاه يميني واضح - ان الحزب الشيوعي الأمريكي "لم يستطع ابدا ان يكسب دعما ذا دلالة من جانب الدائرة التي كان يسعي اليها وهي دائرة العمال الأمريكيين . انما ظل الحزب ميرانا للمعارك الايديولوجية بين المثقفين اليساريين ..." . بل تذهب الموسوعة نفسها الي ان الحزب الشيوعي الأمريكي قد" حكم عليه بان يبقي في هامش الحياة السياسية الأمريكية بسبب فشل التيار الثوري في ان يكتسح الرأسمالية في اوروبا الغربية وأمريكا . وقد ضايقته عمليات الاضطهاد التي نفذتها الحكومة (الأمريكية) ابان الحرب العالمية الاولي مع افتقاده الي قاعدة داخلية قادرة علي الحياة ليبني عليها... وفي عام 1921 اندمج قسمان من الشيوعيين كانا يزعمان تأييد موسكو لكل منهما في تنظيم شيوعي واحد .وكان عقد العشرينيات (من القرن العشرين) فترة زوال الاوهام والشعور بالضياع حينما كان الستالينيون والتروتسكيون يتنازعون السيطرة ." والامر المؤكد ان التيار الستاليني كانت له السيطرة علي الحزب الشيوعي الأمريكي عندما باتت ازمة الكساد الكبير تنهش في جسم النظام الرأسمالي . ولم يتمكن الحزب من الحصول علي اكثر من 102 الف صوت في انتخابات الرئاسة من مجموع 40 مليون صوت في انتخابات عام 1932 . بعد ذلك بوقت قصير شدد الحزب هجومه علي سياسة "الصفقة الجديدة " التي وضعها «روزفلت» للتغلب علي الازمة الاقتصادية . وادي هذا الي تراجع التأييد الشعبي للتيار الثوري الذي كان يدعو له الحزب . لكن الحزب استطاع ان يحقق شعبية اعلي بكثير في السنوات التي تلت ذلك خاصة بين المثقفين وفي صفوف الطبقة العاملة عندما استجاب لتغير طرأ علي سياسة موسكو تجاه سياسة "الصفقة الجديدة " اذ اصبح اكثر قبولا لها وفسرها بانها استعارت الكثير من افكار الاشتراكيين لتتغلب علي الكساد الكبير . وتمكن الحزب من الفوز بقيادة غالبية كبيرة من النقابات والاتحادات العمالية في سنوات النصف الثاني من عقد الثلاثينيات من القرن الماضي . وتمكن الحزب في تلك الاثناء من تأسيس "كونجرس المنظمات الصناعية " ليكون احد اهم تنظيماته الجبهوية. وفي تلك الظروف ايضا انتعشت صحافة الحزب واكتسبت شعبية كبيرة خاصة مجلة "الجماهير الجديدة " التي اصبحت اكثر النشرات اليسارية شعبية بين الليبراليين وليس اليساريين فقط من ابناء الطبقة المتوسطة . كذلك حققت نجاحا كبيرا صحيفة الحزب "يومية العمال" التي انتهجت اسلوبا اكثر ميلا للمناقشة العقلانية وليس للاثارة والتحريض . وبالمثل طال التغيير مجلة الحزب الفكرية "الشيوعي" التي تخلصت من التبرير والتوجيه العقائدي لتصبح اكثر اهتماما بالقضايا الاستراتيجية ( بالمعني العام للكلمة وليس بالمعني العسكري) حتي انها كانت تبدو بفضل افتتاحيات رئيس التحرير آنذاك الكسندر بيتلمان اكثر تعبيرا عن افكار "ديمقراطية - اجتماعية" . ما ان وقع الاتحاد السوفييتي في عام 1939 معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا النازية - كان الهدف الاساسي منها منع نشوب الحرب في اوروبا - حتي اصيبت شعبية الحزب بنكسة واضحة في الحياة السياسية الأمريكية . ولكن هذا الوضع سريعا ما سار في اتجاه معاكس عندما هاجمت المانيا النازية الاراضي السوفياتية في عام 1941 وتحول الحزب نحو تأييد موقف الحلفاء ضد ألمانيا ودول المحور . مع ذلك فانه ما ان انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء والاتحاد السوفييتي حتي عادت النغمة الدعائية الرسمية في أمريكا الي تصوير الحزب الشيوعي الأمريكي بانه تنظيم هدام موال لموسكو . واخذ الحزب يتعرض لتحرشات ضارية من جانب السلطات الأمريكية.