في بداية خمسينيات القرن العشرين، وعقب إعلان الاتحاد السوفيتي عن تفجير قنبلته النووية الأولي، في 29 أغسطس 1949م، سرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية موجة من الذعر النووي، وراح الناس يتخيلون أنفسهم وقد أصبحوا ضحايا لتفجير نووي سوفيتي، وأصابهم ما أصاب اليابانيين علي أيديهم، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وصار الفزع من كل ما هو سوفيتي موضة ذلك الزمن، حتي ظهر سيناتور أمريكي، من الحزب الجمهوري، عن ولاية ويسكنسون، يدعي جوزيف رايموند مكارثي، وراح يتقمص الشخصية العنترية، ويعلن في كل مكان عن أن أمريكا تمتلئ بالشيوعيين، وبالجواسيس السوفيت، ولأن الناس في حالة فزع سوفيتي، فقد اتبعوه، وشجعه هذا علي التمادي، وعقد سلسلة من الاستجوابات والمحاكمات، لمشاهير أمريكيين، من رجال فن وسياسة وصحافة ومجتمع ومال واقتصاد، متهماً إياهم بالشيوعية، أو بالتجسس لحساب السوفيت، وصار عصراً إرهابياً ما له من مثيل، وصارت دعوة، أطلقوا عليها اسم المكارثية... ولقد خشيت كل أو معظم الأقلام الحرة في أمريكا آنذاك، انتقاد سياسة مكارثي، أو أساليبه العنيفة الشرسة، خشيت أن يدور عليهم باتهاماته، ويوقعهم في فخه. ولم تفلح لعبة فرد العضلات وشد الحبل، وإثبات القوة طويلاً، وصار جوزيف مكارثي الآن، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، رمزاً للعنف والشراسة، والجهل، والاعتداء علي الحريات، وإرهاب المجتمع، وصارت المكارثية عنواناً للتعنت والصلف والعنصرية، ولم يحظ مكارثي أو نسله من بعده، بذرة من الاحترام في التاريخ الأمريكي، علي الرغم من كل عنتريته. هذا بالضبط ما يعيد التاريخ فيه نفسه، مع السيد المحترم وزير التربية والتعليم الجديد، الذي سن سكينته، وراح يذبح الكل بلا رحمة، أو تحقيقات، أو نزول إلي الساحة الفعلية، وسيحظي طبعاً بتهليل من مجتمع يدرك أن الفساد صار سمة من سمات هذا العصر، ويتعطش لمن يحاربه، وسيرتفع التصفيق والهتاف لبعض الوقت، تماماً كما حدث مع جوزيف رايموند مكارثي، ثم تمر الأيام، وتهدأ الهوجة، ويدرك الكل أنه ليس من أجل الغاية تبرر الوسيلة؛ لأن الوسيلة قد تصنع أسوأ مما تستهدف الغاية القضاء عليه.... ومازال لنا بقية.