بيوتنا في الريف لاستقبال الحجاج العائدين من الأراضي المقدسة بعد انتهاء مناسك الحج، الحجاج خاصة الذين يفضلون ركوب البواخر في عودتهم من الحجاز إلي مدن الصعيد، يجدون في استقبالهم رسومات الحج فوق الجدران معبِّرة عن الفرحة والتفاخر بحج بيت الله الحرام، والعودة سالمين من بلاد الحجاز، وتبدو البيوت التي غالبها مكوّن من طابق واحد أوطابقين علي الأكثر مطبوعة بالبساطة، كأنها في استقبال الحاج العائد بالدعاء والتهليل، وكأن جدران بيوت الحجيج تدعو لهم بالحج المبرور والذنب المغفور وسلامة العودة. هذه الرسوم يرسمها فنانون غير دارسين، شعبيون فطريون بطبيعتهم التلقائية دون الاعتماد علي أية قواعد رسم من منظور أو ظل ونور، أو توازنات محسوبة للألوان، لكنها تأتي بديعة المحتوي علي المستوي الروحي والفني، وهؤلاء الفنانون الموهوبون تتفجر مواهبهم في مواسم الحج، وترتبط رسوماتهم بالكلمات يكتبونها تتضمن دعوات للحجاج العائدين، ويرسمون مظاهر لبعض من شعائر الحج من جِمال كانت تستخدم قديما في زيارة الأراضي المقدسة والكعبة المشرفة وغيرها من معالم الحج، وحتما من هؤلاء الرسامين كثيرون لم يحجوا، وتتوق نفوسهم لزيارة بيت الله الحرام، لذلك يرسمون ويكتبون وكلهم عاطفة قوية وشوق لأداء الفريضة، وكلما مروا إلي جوار جدران رسوماتهم يظل حياً لديهم حلم الزيارة الذي يجعلونه برسوماتهم ماثلاً أمام أعينهم بألوانهم التلقائية الجميلة المعبرة عن الفرحة، وعما يتمنونه للجميع ولأنفسهم بأداء الفريضة بالحج المبرور والسعي المشكور والذنب المغفور. يعود الحاج من الأراضي المقدسة ليجد منزله قد تزيّن له بكلمات أغاني الحج الشهيرة بالصعيد علي جدرانه، التي تتزاحم عليها الدعوات ورسومات تصوِّر مسار رحلة الحج منذ أن كانت تنطلق بالجِمال ثم الباخرة والقطار والطائرة، ويجد رسومات لبعض الشعائر من الطواف والسعي والصلاة والالتفاف حول مقام إبراهيم مصحوبة بالتلبية "لبيك اللهم لبيك"، وكأن بيوت الحجاج تحولت إلي متحف للفن تنبض شوقا بهذه الروحانية في انتظار استقبال الحاج العائد من رحلة التطهُّر والمغفرة بالدعوات. ومن جمال هذا الطقس الفني برسوم الحج فإن الفنان التلقائي يجعل من جدران بيوتنا الريفية والصحراوية والشعبية جدارية ضخمة تؤرِّخ لهذه الرحلة الروحانية التي تلخِّص سعي الإنسان لمقابلة ربه وتلبية النداء، وعلي قدر بساطة هذه الرسوم وتلقائيتها فهي ذات قيمة فنية كبيرة، وقد سبق لمركز دراسات الفنون الشعبية أن قام بتسجيل هذه الجداريات، كما أنها تحتوي علي أكثر من بعد اجتماعي يميِّز طبقات ريفية أو شعبية كاشفة عن حال تواصل وحب في هذه البيئات تُظهر أجمل ما فيها من حب وتكاتف في هذه الاحتفاليات الدينية، التي تبدأ من أهل الحاج بتكليف رسّام القرية بعمل رسومات تسعد الحاج حين عودته ظافراً بمغفرة الله عز وجل، وهذه الاحتفاليات أيضا كاشفة عن عمق البعد الروحاني المتجذِّر داخل الإنسان المصري والمعبِّر عما بداخله من شوق دافق لهذه الفريضة المقدسة.