تطرح المواقف السياسية للعرب الفلسطينيين داخل إسرائيل تساؤلات عديدة مع مرور عام كامل على اندلاع الحرب على قطاع غزة، وما إذا كانت لديهم القدرة على إحداث ضغط حقيقى على الحكومة اليمينية المتطرفة التى يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من عدمه، بخاصة بعد أن شاركوا لأول مرة فى الحكومة التى جرى تشكيلها فى 2021، غير أن الواقع يشير إلى أن هؤلاء أصابهم ما أصاب الفصائل الفلسطينية جراء تعرضهم للانقسامات الداخلية إلى جانب التضييق الأمنى الخانق عليهم منذ السابع من أكتوبر. ويمثل «فلسطينيو الداخل» أو «فلسطينيو 48»، حوالى 20% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9 ملايين و727 ألف نسمة وينحدرون من 160 ألف فلسطينى بقوا فى 1948. أقلية صغيرة منهم من الدروز والمسيحيين، والأغلبية منهم مسلمون. ■ عرب 48 ووفق الإحصائية الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية فى أبريل من العام الماضى فإن 2023، فإن عدد السكان العرب فى إسرائيل يبلغ 2 مليون و48 ألفا، بينهم 400 ألف فى الأراضى المحتلة. ويعيش 60% من عرب 48 فى شمال الأراضى المحتلة، أما البقية فموزعون بين النقب والمثلث وقد حصل أغلبهم على الجنسية الإسرائيلية بعد عام 1952م، باستثناء عدة آلاف، خصوصا المقيمين فى القدسالشرقية، إذ اكتفت إسرائيل بمنح معظمهم الإقامة الدائمة. ◄ ملاحقات واضطهاد ويواجه الفلسطينيون داخل إسرائيل واحدة من أشرس مواجهات الملاحقات والاضطهاد وقاد ذلك إلى مقتل 214 فلسطينيا بالداخل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، وتسببت حالة التجييش التى تمارسها حكومة الاحتلال المتطرفة فى أن يتحول المواطنون اليهود إلى مخبرين عن أقرانهم من الفلسطينيين، وهناك مئات من وقائع التمييز فى مواقع متفرقة، وهدف الاحتلال لإرسال إشارات مفادها أن وجود الفلسطينيين على أراضيهم يبقى محل خطر مستمر وجرى طرح مسألة تهجيرهم إلى الأردن أو لبنان فى أكثر من مناسبة خلال العام الماضى. وتسببت إتاحة وزارة الأمن الداخلى الإسرائيلي للمدنيين على حمل السلاح واقتصار ذلك على اليهود المتطرفين فى أن يتعرض «عرب 48» إلى انتهاكات متصاعدة وأضحت جريمة الانضمام إلى حماس تلاحق أى شخص عربى، وهو ما ينوِّع أشكال الملاحقة بين اعتقالات واستدعاءات للتحقيق وحرمان من التعليم وفصل من العمل بشكل تعسفى، وكله استنادا لأدلة واهية ومضللة، إن وجدت، وهو ما يجعل التعبير الشهير «بأنهم فى خانة اليك» ينطبق عليهم. ◄ اقرأ أيضًا | العاهل الأردني: لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ◄ «الانضمام لحماس» تهمة جاهزة ..ومقتل 214 داخل دولة الاحتلال ◄ بيانات تهديد منذ 7 أكتوبر دأبت الجامعات ومعاهد التعليم الإسرائيلية على نشر بيانات على مواقع التواصل الاجتماعى مفادها أنها «لن تتهاون مع التحريض»، موجهة الرسائل للطلاب العرب، ومطالبة الطلاب المشاركين بالإبلاغ عن زملائهم ممن يشاركون منشورات التعاطف مع غزة أو أى منشور يمكن أن يفسّر على أنه «تحريض». وتوظف دولة الاحتلال على تعديلات قانون «مكافحة الإرهاب» الذى أقره الكنيست بعد أيام من اندلاع حرب السابع من أكتوبر لإلحاق تهم الإرهاب للمواطنين العرب، إذ نصت التعديلات على تجريم «استهلاك (الاطلّاع على) مواد إرهابية»، ليواجه من يتعامل مع هذه المواد عقوبة قد تصل إلى عام واحد من السجن. ما يعنى أن التجريم لا ينطبق على مشاركة المواد «الداعمة للإرهاب» وفق التعريف الإسرائيلى ولكن أيضا مشاهدتها أو الاستماع لها قد يعرض المستخدم للسجن. ■ عماد عمر ◄ عمر: التحالف مع معارضة نتنياهو السبيل الوحيد لعودة تأثيرهم وقال المحلل السياسي الفلسطيني، عماد عمر، إن العرب فى إسرائيل لا تتجاوز نسبتهم 20%، وبالتالى فإن التأثير الفعلى لهم بشكل مباشرة لا يكون ذات قيمة إلا فى حال جرت عمليات تحالف بين القوائم والأحزاب العربية فى إسرائيل مع المعارضة الحالية للضغط على حكومة نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف لوقف الحرب، لافتَا إلى أن المعارضة ترى بأن الحكومة المتطرفة لا تلبى مطالب المواطنين، وأدخلت البلاد فى حرب مع غزةولبنان وربما يتطور ذلك لحرب مماثلة مع إيران واليمن والعراق وسوريا. وأضاف أن عدم تحقيق أهداف الحرب المعلنة على قطاع غزة لا يلبى طموحات غالبية الإسرائيليين فى ظل استمرار وجود أسرى لدى حركة حماس، كما أن الحرب لم تُنه حتى الآن حكم حماس فى القطاع، كما أن الخيار العسكرى لا يحقق هدوء واستقرار المنطقة التى ستكون أمام حقبة يتسع فيها الصراع وبالطبع سوف تتضرر منها إسرائيل، مشيرًا إلى أن العرب فى إسرائيل يتعرضون للاستهداف كما الفلسطينيون فى الضفة وغزة، وهناك استهداف ممنهج لأى قوائم عربية يكون لديها طموح سياسى ويتم استبعادهم من أى عمليات تحالفات أو توافقات تحدث داخل الكينسيت، ومنذ إقرار قانون قومية الدولة اليهودية فى العام 2018 تتزايد المساعى لطرد الفلسطينيين وإدخالهم فى صراع من اليهود بعقلية اليمين المتطرف لكى تجد الذرائع المناسبة للتخلص منهم، إذ يجرى وصفهم بشكل دائم بأنهم داعمون للقضية الفلسطينية. ◄ العرب في إسرائيل يتعرضون للاستهداف ◄ عرب إسرائيل وتطلق دولة الاحتلال على الفلسطينيين المتواجدين على أراضيها باسم «عرب إسرائيل»، ويهدف ذلك فى المقام الأول إلى دمجهم وتحويل انتمائهم إلى ما يسمى بالأمة الإسرائيلية وعزلهم بذلك عن الفلسطينيين القاطنين فى قطاع غزة والضفة الغربية. حتى لو كان بعضهم ينأى بنفسه عن الفلسطينيين ويفضلون العيش فى إسرائيل حيث يتمتعون بمزيد من الحرية والإمكانات. عاش فلسطينيو الداخل 3 مراحل خلال وجودهم تحت حكم إسرائيل، الأولى وهى مرحلة الحكم العسكرى، وبدأت بعد النكبة عام 1948 حتى عام 1966، ولم يسمح للعرب خلال تلك الفترة بالخروج من مدنهم وقراهم إلا بتصريح من الحاكم العسكرى الإسرائيلى، باستثناء مناطق إقامة الدروز لتعاونهم مع الدولة الإسرائيلية. كما أُعلن خلال هذه الفترة عن تحويل القرى المهجّرة إلى مناطق عسكرية مغلقة وفقا للمادة 125 من قانون الطوارئ، الأمر الذى وقف حائلا دون عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم. وأُلغى الحكم العسكرى عام 1966، وبدأت أوضاع عرب 48 تتحسن لا سيما على الصعيد الاقتصادى، إلا أنهم واجهوا العزلة من المجتمعات العربية ومن المجتمع اليهودى الذى رفض وجود عرب مسلمين داخل أراضى 48، وبدأت المرحلة الثالثة بعد حرب 1967، إذ تغيرت أوضاع عرب 48 داخل الخط الأخضر جزئيا، لا سيما بعد فتح معابر الحدود بين إسرائيل والأردن، والتى تمر عبر طريق الضفة الغربية، وبدأت العزلة العربية نحوهم تتراجع مع توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل فى نهاية سبعينيات القرن ال20. ■ أيمن الرقب ◄ ظروف صعبة وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، إلى أن الفلسطينيين داخل الأراضى المحتلة فى ظروف لا يحسدون عليها منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ومطالبون بعدم الدخول فى صدامات مع الاحتلال مثلما حدث فى العام 2021 ويحاولون نقل وجهة النظر الرافضة للممارسات ضد المدنيين لكن دون الدخول فى صدام لأن ما حدث فى السابع من أكتوبر صعب أن يحظى بتأييد أى شخص داخل إسرائيل ويحاول العرب امتصاص العداء الذى تواليه حكومة اليمين المتطرف ضدهم. وفي 2021 اقتحم مستوطنون إسرائيليون بلدات عربية فى إسرائيل وأشهروا سلاحهم فى وجه فلسطينيى 48 وذلك على إثر احتجاجات وقعت فى ساحات المسجد الأقصى بعد قرار محكمة إسرائيلية بإخلاء سبع عائلات من العرب فى منطقة حى الشيخ جراح. وأكد أن «عرب 48» يعانون الانقسام ذاته الذى تعانيه الفصائل الفلسطينية، وبعد أن خاضوا انتخابات الكنيست بقائمة موحدة فى العام 2016 وحصلوا فى ذلك الحين على 17 مقعدا، وهو ما شكل خطراً للاحتلال الإسرائيلى الذى عمد إلى تفتيهم قبل أن يخوضوا انتخابات العام 2020 بقائمتين وهو ما قاد لعزوف الناخب العربى عن المشاركة وحصدوا فقط 10 مقاعد بينها 6 مقاعد للقائمة الوطنية و4 لقائمة منصور عباس الذى كان أول عربى فى حكومة الاحتلال. ■ الدكتور سعيد عكاشة ◄ عكاشة: الجزء الأكبر منهم مندمج بالمجتمع الإسرائيلي ◄ براجماتية الموقف واستبعد الدكتور سعيد عكاشة، الخبير في الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجة، أن يقوم عرب 48 بأى مظاهر للضغط على الحكومة المتطرفة إذ إن استطلاعات الرأى تظهر بأن 60% منهم يؤيدون الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس وحزب الله، وهى بالنسبة إليهم مشروعة لأن هناك صواريخ يتم إطلاقها عليهم لا تميز بين العربى واليهودى، وفى هذه اللحظة كل شخص يفكر فى مصيره، كما أن هؤلاء يضعون فى اعتبارهم أن الدفاعات الإسرائيلى هى من تدافع عنهم. وذكر أن الجزء الأكبر من فلسطينيى الداخل يندمج مع المجتمع الإسرائيلى باستثناء الحركة الإسلامية وهى أقرب للجناح الجنوبى داخل الحركة، وهؤلاء ضد الدولة وضد المشاركة فى الكنيسيت، فيما يرفض الجناح الشمالي العنف ويتفرغ قائده رائد صلاح للدفاع عن المسجد الأقصى. وأشار إلى أن الأحزاب الصهيونية تدرك بأنه لا يوجد توافق بين العرب وفى المقابل فإن البراجماتية تطغى على مواقف التكتلات العربية إذ لا يمانعون فى دعم اليمين أو اليسار مادام ذلك سيقود إلى تحسين أوضاعهم.