■ كتب: محمد ياسين 51 عاماً كاملة مرت على نصر أكتوبر، الذى يبقى ذكرى صمود شعب وبسالة جيش، لعبور هزيمتين لحقتا بالعرب فى إطار الصراع مع إسرائيل، منذ نكبة 1948، ثم نكسة 1967، واستعادة الأرض والكرامة، وكشف كذبة أسطورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذى لا يُقهر. قدم العرب خلال هذه الحرب الدعم العسكرى على الجبهتين المصرية والسورية، ولكن يظل استخدام سلاح النفط فى المعركة دور بارز فى تحقيق الانتصار، وإعادة رسم خريطة المنطقة، وتسبب فى تراجع فى معدلات الأداء فى الاقتصاد العالمي، وأثر عليه لعدة سنوات. فى أغسطس 1973 التقى الرئيس أنور السادات، بالملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ملك السعودية وطلب من دول الخليج ضرورة وقف ضخ البترول إلى الغرب، حال شن الحرب على إسرائيل، ونجاح خطة الهجوم على العدو، وفى 17 أكتوبر 1973 اجتمع الملك فيصل بوزراء البترول العرب في الكويت وقرروا استخدام سلاح النفط في المعركة، وتخفيض 5% من الإنتاج العربى كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967. ◄ الملك فيصل وقررت 6 دول من «الأوبك» وقتها رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلياً، لمعاقبة الدول الغربية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية على موقفها الداعم لإسرائيل، مما أدى لارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير فى العواصمالغربية وتهاوت أسهم البورصات. واستدعى الملك فيصل، سفير الولاياتالمتحدة فى السعودية، وأبلغه رسالة للرئيس لأمريكي نيكسون، بأنه إذا استمرت بلاده فى مساندة إسرائيل، سوف تخفض السعودية إنتاجها بنسبة 10%، واحتمالية وقف شحن البترول السعودى إلى أمريكا إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة لهذه الحرب. وترد الولاياتالمتحدة فى 20 أكتوبر 1973 على الحظر العربي للنفط، وتعلن دعمها لإسرائيل ب2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، لتقرر بعدها دول الخليج حظر تصدير النفط تماماً إلى أمريكا، ويعلن الملك فيصل أن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التى احتلت 1967. وتضخمت آثار أزمة النفط فى الولاياتالمتحدة وحلفائها من الغرب، مما أدى إلى اضطرار وزير الخارجية الأمريكية هنرى كسنجر، لزيارة الرياض فى 8 نوفمبر 1973 فى محاولة لإقناع الملك فيصل باستئناف تصدير النفط، لكنه رفض وتمسك بضمان أمريكا لانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة. ◄ اقرأ أيضًا | جيش الإحتلال الإسرائيلي يجري «مراجعة شاملة» بشأن قصف قواعد «اليونيفيل» في لبنان ◄ اللواء الصادق: حرمان العدو من إمدادات البترول بالبحر الأحمر كان ضمن مهام قواتنا البحرية ◄ مفاجأة الحرب يقول اللواء أحمد الصادق، المدير الأسبق للكلية البحرية: فى البداية يجب أن نعرف ما هو المقصود بسلاح البترول، فهى عبارة استخدمت فى الحروب والأزمات والصراعات لإجبار العدو أو الخصم على تغيير موقفه أيا كان هذا الموقف عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً ومعاقبته على قيامه بتصرف معين، ولتنفيذ ذلك يتم اتباع أساليب مختلفة مثل فرض مقاطعة تغطية أو تخفيض الإنتاج أو زيادة الأسعار أو تفجير المنشآت البترولية ووسائل النقل، ويقول الصادق: «إذا استرجعنا الماضى فى صراع الحرب العالمية الثانية كان للبترول بالغ الأثر فى تغيير مسار الحرب وكانت السيطرة على منابع النفط هى الهدف الرئيسى لدول المحور والحلفاء.. حيث حاولت ألمانيا السيطرة على منابع النفط الروسية والرومانية ومنابع النفط فى شمال إفريقيا وحاولت اليابان السيطرة على منابع النفط بآسيا وكان توافر النفط السبب الرئيسى للانتصارات وأصبح تدمير المنشآت والمخازن الرئيسية وإغراق ناقلات البترول هدفا مشروعا للدول المتحاربة، ولا ننسى ماقام به اليابانيون طيارو القمقازى بالانقضاض على ناقلات البترول والسفن الحربية عند نفاد الوقود لتحول تلك السفن إلى كتل من اللهب». أضاف: لقد كان سلاح البترول مفاجأة الحرب الاقتصادية التى تشنها الدول العربية على المعسكر الغربى الداعم لإسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 ورغم مرور 51 عاما على حرب أكتوبر فقد قدم العرب الدعم العسكرى على الجبهتين المصرية والسورية ولكن يظل لاستخدام سلاح البترول دور بارز فى تحقيق الانتصار وإعادة ورسم خريطة المنطقة، وتسبب فى تراجع معدلات الأداء فى الاقتصاد العالمى وأثر عليه لعدة سنوات.. وبالرجوع لملف البترول خلال حرب أكتوبر المجيدة فقد تم وضع خطة محكمة لها دور فعال داخلياً وخارجياً لتلبية جميع احتياجاتنا الداخلية والخارجية بالتعاون مع قيادات القوات المسلحة ووزارة البترول بحيث لا يشعر المواطن بأى، أزمة فى الوقود مع تلبية احتياجات القوات المسلحة دون توقف، أما على المستوى الخارجى فقد كان لسلاح البترول دور فعال بالتعاون مع المملكة العربية السعودية والملك فيصل الذى أجبر الدول الداعمة لإسرائيل على التراجع من خلال حظر وصول النفط إليها مع إمداد مصر باحتياجاتها من الوقود. ◄ ورقة ضغط تابع: وفى الوقت الراهن بات استخدام النفط كورقة ضغط سياسية على غرار الأحداث السابقة مسألة صعبة وغير مجدية اقتصاديا وذلك لكون سلبيتها فى الوقت الراهن أكثر بكثير من إيجابيتها فى ضوء تغير الظروف وتبدل المعطيات السياسية والاقتصادية والأمنية على الساحتين الإقليمية والدولية؛ فمنذ أحداث 11 سبتمبر تسعى الولاياتالمتحدة لتحريك المجتمع الدولى وتدفعه لمعاداة دول الخليج بدعوى أن الأخيرة تتحكم وتحتكر السوق النفطية وتضر بالاقتصاد العالمى وتسعى لدخوله فى دوامة الركود وتعتبر ذلك «نوعا من الإرهاب» تستدعى محاربته، لذا قد تفرض عقوبات اقتصادية على الدول التى ستتخذ قرار حظر، وقد سبق أن أصدرت تشريعات من الكونجرس بأغلبية 372 صوتا بفرض عقوبات على دول «أوبيك» التى ترفض زيادة إنتاجها. كذا قطع مصادر الطاقة عن الدول الأوروبية والصناعية قد لا يخدم ذلك القضايا العربية على العكس يولد ذلك مزيدا من الأحقاد وبالتالى يتحول المجتمع الدولى إلى عدو ضد العرب، وسوف يفقد العرب التعاطف الدولى مع قضاياهم. وتتبنى منظمة أوبك ضرورة تحييد النفط وعزله عن الصراعات السياسية، وهو ما أكد عليه أمينها العام مع المحافظة على الأسعار فى الأسواق العالمية. وهذه ليست منظمة سياسية علماً بأنها تضم دولا غير عربية مثل: «فنزويلانيجيريا إندونيسيا» بالإضافة لإيران لذا توافر الإجماع سيكون مسألة غير مضمونة فى اتخاد القرار. أضاف: لقد تداركت الوكالة الدولية للطاقة والتى تعبر عن مصالح المستهلكين فى مواجهة منظمة الأوبك والتى تضم 25 دولة صناعية هذا التخلى بصورة تدريجية عن النفط الخليجى، حتى لا يتكرر ماحدث فى 1973 من خلال إيجاد بدائل لمصادر الطاقة وظهور مناطق إنتاج جديدة تنافس النفط الخليجى وظهور منتجين جدد خارج منطقة الشرق الأوسط، وتشير الدراسات إلى أنه رغم المقاطعة الاقتصادية التى فرضت من الولاياتالمتحدة على بعض الدول مثل إيرانوفنزويلا إلا أنها فشلت فى تحقيق أهدافها ولقد ظهر لنا أسلوب جديد فى استخدام سلاح النفط بسبب التطور التكنولوجى وذلك بخفض الإنتاج بسبب الدمار الذى تحدثه الطائرت بدون طيار «الدرونز» والهجمات الإلكترونية على المنشآت النفطية مع انتشار الخبر على وسائل الاتصال الاجتماعى الذى يؤدى فى النهاية لخفض الإنتاج النفطى، ويقول الصادق، إن سلاح النفط تطور بشكل كبير فى السنوات الأخيرة بسبب دخول لاعبين جدد «منظمات جماعات» ليس لهم علاقة بالحكومات مستغلة التطور التكنولوجى من جهة أخرى، هذا التطور يجعل من الصعب التنبؤ بسلاح النفط وآثاره والنتيجة النهائية زيادة تذبذب أسعار النفط وعدم استقرار الأسواق. ◄ اللواء فرج: سيظل «النفط» قوة العرب الأولى ◄ القوة الرئيسية بينما يقول اللواء سمير فرج، الخبير الاستيراتيجى، إن النفط كان ومازالت القوة الرئيسية حتى الآن وسيظل المحرك الرئيسى لعشر سنوات قادمة وسيظل النفط العربى الذى يمثل 30% من إجمالى إنتاج النفط العالمى قوة العرب، ولا يمكن أن ننسى لوعة العالم وقلقه عندما أغلقت قناة السويس لعدة أيام بسبب جنوح سفينة إيفرجرين، فقد توقفت إمدادات النفط والبترول لأوروبا ولهذا السبب من الممكن أن نقول إن النفط مازال قوة محركة ومؤثرة فى السياسات العالمية. ويقول اللواء نصر سالم، الخبير العسكرى، إن الدول النفطية عندما وقفت إلى جانب مصر والحق العربى فى حرب 1973 كانت وقفه تاريخية وقد شعر العالم وقتها بقوة الدول العربية عند اتحاده ونذكر هنا أن الجسر الجوى الأمريكى الذى كانت ترسله الولاياتالمتحدة دعما لإسرائيل بالأسلحة قد تأثر بهذا الموقف العربى من قطع البترول عن العالم فقد كانوا أمام خيارين إما أن يضعوا نصف التانك بنزين للطائرة وتنزل فى إحدى الدول الأوروبية للتزود بالوقود وزيادة المعدات العسكرية والحربية لإسرائيل أو ملء الطائرة بالوقود مع نقص المعدات العسكرية وتقطع الطائرة المسافة من أمريكا لأسرائيل دون توقف ولكن مع رفض الدول الأوروبية نزول الطائرة الأمريكية لأراضيها خشية العقوبات العربية من قطع البترول عنهم كان له أكبر الأثر فى خفض الإمدادات الأمريكية لإسرائيل، فالموقف كان رائعا فى حرب أكتوبر ليس له مثيل، ولو استخدم العرب هذا السلاح فى أى وقت بلاشك أنه سيؤثر على العالم بشكل رادع من أجل مراعاة مصالحنا.