دور لا ينكره أحد، ذلك الذى لعبته المملكة العربية السعودية فى حرب أكتوبر 1973م، فكعادتها وقفت المملكة مع شقيقتها مصر فى الحرب وقفة تاريخية.. وبمجرد علم الملك فيصل بنية بدء الحرب فى ظهيرة يوم السبت 10 رمضان 1393ه (6 أكتوبر 1973م)، كان شريكًا فى الإعداد للمعركة وفى خوضها، والدعم اللوجستى لمواجهة آثارها، واستطاعت القوات المسلحة المصرية تحقيق انتصارات واضحة، وخصوصًا على الجبهة المصرية. وتستعيد مصادر دبلوماسية ذاكرة حرب الكرامة والنصر، بقولها إنه فى 17 أكتوبر قرر الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول فى المعركة، فدعا إلى اجتماع وزراء البترول العرب «الأوابك» فى الكويت وقرروا تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5% فورًا، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967م، وقررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولاياتالمتحدة. واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى فى السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط؛ هي: إذا استمرت الولاياتالمتحدة فى مساندة إسرائيل، فإن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية سوف تتعرض لإعادة النظر، وأن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10% وليس فقط 5% كما قرر وزراء البترول العرب، وألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولاياتالمتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة. واعتبر هنرى كيسنجر، وزير خارجية الولاياتالمتحدة، هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولاياتالمتحدة كقائدة للعالم، فقد أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق فى استخدام البترول كسلاح، ورغبتهم فى السيطرة على الغرب، كما أن هذه المرة الأولى فى التاريخ أن يعطى منتجو البترول لأنفسهم حق تحديد سعر البترول. وفى يوم 20 أكتوبر رداً على ذلك، أعلنت الولاياتالمتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وفى اليوم نفسه أعلنت الدول العربية حظر تصدير النفط تماماً إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وصرح الملك فيصل فى أعقاب اتخاذ قراره بحظر تصدير النفط إلى الولاياتالمتحدة بأن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التى احتلت عام 1967م. وصدرت الأوامر للقوات السعودية المسلحة والحرس الوطني، للمشاركة فى معركة تحرير الأرض العربية وامتزج الدم السعودى مع الدماء العربية فى مصر وسوريا دفاعًا عن الشرف والكرامة من أجل استرداد الأرض وتحرير المقدسات الإسلامية، وتفقد الأمير سلطان بن عبدالعزيز أرض المعركة فى أحد الخنادق على الجبهة المصرية. كان ذلك قرارًا سعوديًّا شهيرًا يتفق وحجم المملكة وثقلها على الصعيد العربى والإسلامى والدولي، كان موقفًا لا يبارى وتحديًا حضاريَّا وتاريخيًّا لا يُنسى، وقبل كل شيء وبعده كان موقفًا إسلاميًّا مهمًّا، فجاء النصر من عند الله فى حرب رمضان المبارك التى عبرت عن التضامن العربى والإسلامى بشكل كبير كان نواته الالتحام السعودى المصرى. وعندما ظهرت آثار أزمة النفط فى الولاياتالمتحدة ولدى حلفائها واضحة فى الطوابير عند محطات التزود بالوقود، هرع هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية لزيارة الرياض فى 8 نوفمبر 1973م، علَّه يحصل على وعد باستئناف تصدير النفط، وطوال نحو أربع ساعات قضاها فى مباحثات مع الملك فيصل أولا ثم مع عمر السقاف وزير الشئون الخارجية السعودية لم يسمع إلا عبارات قوية وسياسة واضحة مفادها أن تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة ويعود بعدها تصدير النفط. لقد كانت مفاوضات شاقة بين الملك فيصل والوزير الذى يسعى جاهدًا لإقناعه برفع حظر النفط بينما يتمسك العاهل السعودى بأن تعلن الولاياتالمتحدة فى الحال أن إسرائيل يجب أن تنسحب من الأراضى التى احتلتها، وأن تتعهد الولاياتالمتحدة بأنها ستتخلى عن تأييد إسرائيل إذا لم تنفذ هذه الخطوات، وقال الملك فيصل لكيسنجر: «أنا متأكد بأن إسرائيل ستنسحب فى اللحظة نفسها التى تعلنون فيها أنكم لن تحموها، ولن تدافعوا عنها، ولن تدللوها.. ولن يكون هناك سلام واستقرار إذا لم تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة.. وأن تتعهد الولاياتالمتحدة بأنها ستتخلى عن تأييد إسرائيل إذا لم تنفذ هذه الخطوات.. نحن نرى أن إسرائيل عبء على الأمريكيين. إنها تكلفكم كثيرًا…». ومن جانبه، كان كيسنجر يحاول أن يقنع الملك فيصل بأن الولاياتالمتحدة قد بذلت الكثير من الجهود بعد حرب أكتوبر 1973م وعددها قائلا: «أوقفنا إطلاق النار، رغم أن الإسرائيليين كانوا يريدون استمرار القتال وأنقذنا الجيش المصرى الثالث، وأكدنا وقف إطلاق النار، كما كشف كيسنجر للملك عن قرار سرى أمريكى وهو إيقاف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل اعتبارًا من منتصف نوفمبر 1973م.