وزير التعليم ينجح في أصعب تحدي «الكثافات الطلابية»    احتفالية كبرى بجامعة القاهرة في الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر    محافظ أسوان يتفقد سير العملية التعليمية بمدرستي اليابانية وكلابشة    بينهم المصرية اليابانية.. 35 جامعة مصرية ضمن تصنيف «التايمز HE» العالمي (تفاصيل)    محافظ المنوفية يوجه بتشكيل لجنة لحل شكوى أهالي سرس الليان    وكيل تشريعية الشيوخ يستقبل وفداَ برلمانياً فيتنامياً    مغردون: حميدتي ظهر في خطابه مرتبكا ومقرا بالهزيمة    الصليب الأحمر اللبناني يواجه التحديات لإنقاذ المصابين في مناطق النزاع    باحث سياسي: التصعيد الإسرائيلي يهدف لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط    فتح باب الترشح لاتحاد الكرة 10 نوفمبر    بمشاركة 200 لاعب.. الشباب والرياضة بجنوب سيناء تطلق ماراثون دراجات ويوما رياضيا بمدينة دهب    ضبط 98 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات تفتيشية بمراكز بالمنيا    الأرصاد: استقرار الأحوال الجوية والقاهرة تسجل 32 درجة    رسميًا.. موعد امتحانات وإجازة نصف العام 2025 للمدارس والجامعات وفق «الخريطة الزمنية»    إصابة سيدة سقطت من الطابق الرابع في قنا    11 جائزة لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بمهرجان ظفار الدولي    «زواج وعلاقات».. لمن ينجذب رجل برج الحمل؟    «المصير» الأبرز.. 11 فيلمًا في مشوار محمد منير كممثلا    هبة خيال تكشف تفاصيل شخصيتها في مسلسل برغم القانون    الدعاء يوم الجمعة: باب مفتوح لتحقيق الأماني وتفريج الكروب    دار الإفتاء تحذر من التحايل للاستيلاء على السيارات المخصصة لذوي الهمم: الشريعة تخصهم بمزيد من الرعاية    اليوم العالمي للصحة النفسية| سر «السرايا الصفرا»    ب 3 مكونات صحية.. طريقة عمل البراونيز (فيديو)    شيخ الأزهر يستقبل رئيس معهد «ديا ماليلا» الإندونيسي    لقاءات للتوعية بالحفاظ علي النيل لقصور الثقافة ب دوري المكتبات في دورته الثانية    تشييع جثمان أم أبناء الدكتور حسام موافي (صور)    رئيس الوزراء: مصر قطعت شوطًا طويلًا في مواجهة الهجرة غير الشرعية    إعادة تشكيل وهيكلة اللجان الطبية باللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية    منحة يابانية لبورسعيد لمشروع تطوير منظومة النظافة بآليات رقمية    وزيرة التضامن تكرم الموظفين المتميزين خلال سبتمبر الماضي    الزمالك يكشف أسباب طلب تغيير موعد مباراة بيراميدز    عفت نصار: الزمالك رغم المعاناة يظل أكبر قلعة رياضية في مصر    وزيرة البيئة توجه بتكثيف الحملات التفتيشية على محاور منظومة مواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة    فاينانشيال تايمز: أوامر الإخلاء وتغير خطاب إسرائيل ينذران بحرب طويلة بلبنان    «مدبولي»: الدولة تولي اهتماماً خاصاً بالتوسع في الكليات التكنولوجية    المنظمات الفلسطينية: حجم المساعدات المقدمة لغزة لا يتجاوز 7% من الاحتياجات    رئيس الوزراء يتابع سير وانتظام العملية التعليمية بالأقصر    حملة مرورية مكبرة تضبط 11 ألف مخالفة تجاوز سرعة مقررة    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة غدآ.. تعرف عليها    وزارة الداخلية تقرر رد الجنسية المصرية ل 24 مواطن    تسليم 2218 شهادة استبيان تراخيص إقامة مباني داخل الحيز العمراني بالشرقية    صحة مطروح: تقديم 480 خدمة طبية خلال القافلة الخدمية الشاملة بواحة سيوة    إجراء 1274 جراحة مجانية ضمن مبادرة "القضاء على قوائم الانتظار" بالمنيا    الكشف عن قائد منتخب إنجلترا في غياب هاري كين    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    ترتيب الأهلي والزمالك.. كاف يعلن تصنيف الأندية الأفريقية في آخر 5 سنوات    يواجه نقص سلاسل الإمداد.. الحكومة توضح ماذا يعني الدخول في مرحلة اقتصاد حرب؟    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة مفخخة أطلقت من غزة نحو إسرائيل    ضبط عنصرين إجراميين في أسيوط بتهمة الاتجار بالأسلحة النارية والذخائر    خبير: لقاء السيسي ووزير خارجية الأردن يعكس خصوصية العلاقات بين البلدين    إعلامي يكشف عن النادي الجديد للقندوسي بعد قرار الأهلي ببيعه    المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية: موقف إيران من تصنيع السلاح النووي ثابت ولم يتغير    رئيس هيئة الرعاية الصحية: الانتهاء من إعداد أكثر من 450 بروتوكولًا    نائب وزير التعليم يكشف تفاصيل مسابقات تعيين معلمي الحصص في المدارس    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    مدحت صالح نجم افتتاح مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32    بسبب «النسيان أو النوم».. حكم قضاء الصلاة الفائتة    علي جمعة يكشف عن شرط قبول الصلاة على النبي وأفضل صيغة ترددها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل على صفيح ساخن

بدت «عملية طوفان الأقصى» وكأنها استثمار لمشهد داخلى مرتبك فى الدولة العبرية. حكومة يمينية هى الأكثر تطرفًا، رئيسها محاط باتهامات فساد ورشوة وتحايل، خاضع لتحقيقات فى قضايا قد تودى بمسيرته السياسية وبمنصبه، أسير رغبات شركائه الائتلافيين، تصدع مجتمعى وانقلاب على الديمقراطية بإصلاحات قضائية ألهبت الشارع الإسرائيلى، أججتها مشروعات قوانين تمس الخدمة العسكرية الاحتياطية وتجنيد المتدينين.. وجاء «السابع من أكتوبر» ليضيف إلى المشهد مزيدًا من الارتباك، والسخونة على سطح الأحداث، ويكشف عورة الفشل الاستخباراتى الإسرائيلى الشائن، مع ذلك حقق نتنياهو بعض المكاسب المؤقتة من خلال الحرب على غزة، فقد توحدت الجبهة الداخلية خلف حكومته فى الأيام الأولى للحرب ثم ما لبث الصدع المجتمعى أن عاد بضراوة بسبب أزمة الرهائن.
اقرأ أيضًا| استشهاد شرطي سوري وإصابة آخر بقصف إسرائيلي على مدينة القنيطرة
اليوم، وبعد مرور عام على أطول حرب إسرائيلية على قطاع غزة، لم تضع أوزارها بعد. نغوص فى خفايا أحداث هذا العام وما تركه من بصمات على وجه الداخل الإسرائيلى كما نقدم معلومات تنشر لأول مرة ربما تزيح الستار عن الدوافع الخفية لعدم رغبة رئيس الوزراء نتنياهو إنهاء الحرب على غزة، وتلقى مزيدًا من الضوء لفهم التصرفات الاستعمارية التى تؤدى فى النهاية إلى فرض واقع جديد تؤدى مفرداته إلى بقاء إسرائيلى طويل الأجل فى قطاع غزة بتوسيع المستوطنات، فى هذا الملف أيضًا محاولة لاستشراف مصير هذه الحكومة والسيناريوهات المحتملة التى تواجهها بعد عمليات الاغتيالات الاستهدافية لقيادات حماس وحزب الله.
الهروب للأمام.. سياسة نتنياهو لإنقاذ حكومته
مع نهاية العام تبدو الحكومة الإسرائيلية فى أقوى حالاتها منذ السابع من أكتوبر الماضى. تشبث نتنياهو بطوق النجاة الوحيد الذى يجيد استخدامه كلما أفلس من الأعذار أو أضاق عليه الخناق، فهرب إلى الأمام وكان الجموح فى اللجوء إلى الاغتيالات الاستهدافية التى طالت قادة حماس وحزب الله. فكان اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى قلب إيران، ثم نجاح عملية «البيجر» التى راح ضحيتها قادة قوة الرضوان التابعة لحزب الله، وأخيرًا اغتيال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله هى الرافعة التى قفزت بمعدلات تأييد نتنياهو وتماسك حكومته
بعد عدة أسابيع مضطربة فى إسرائيل، تصور المظاهرات الحاشدة بشكل متزايد ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باعتباره المسئول المباشر عن مصير الرهائن الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس. وعلى الرغم من الضغوط الداخلية والدولية المتزايدة للتفاوض على صفقة مع حماس لإطلاق سراح الرهائن، ظل نتنياهو ثابتًا فى معارضته لمثل هذه الاتفاقية.
ولكن على الرغم من كل هذا الاحتجاج العام، أظهر نتنياهو أن قبضته على السلطة لا تزال قوية.
لقد ألحق الهجوم المفاجئ الذى شنته حماس على إسرائيل قبل عام تقريباً ضرراً كبيراً بشعبية نتنياهو وائتلافه الحاكم . كما أدى الرد غير الكافى من جانب الحكومة على الهجوم، وإطالة أمد الصراع، وعدم القدرة على تأمين إطلاق سراح جميع الرهائن الناجين، إلى تآكل ثقة الجمهور فى نتنياهو وزملائه. والواقع أن كثيرين توقعوا أن يتم تفكيك الحكومة فى غضون أسابيع من الهجوم.
ومع ذلك، وعلى الرغم من انخفاض معدلات التأييد لنتنياهو وحكومته إلى مستويات تاريخية ، فإن أحزاب المعارضة لم تتمكن من الاستفادة من الوضع سياسيا.
وعلى العكس من ذلك، وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة النطاق بأن الأجندة غير الليبرالية والدينية والقومية المتطرفة التى يروج لها نتنياهو وائتلافه قد أضعفت بشدة التماسك الاجتماعى فى إسرائيل ولعبت دورا كبيرا فى قرار حماس بشن الهجوم، فقد جددت الحكومة جهودها لدفعها إلى الأمام.
المسكوت عنه فى إحباط الانسحاب من غزة وعودة الرهائن
جمعية سرية تحرك «بيبى» وتسيطر على خط الحكومة
رغم مرور عام على عدوان إسرائيل فى قطاع غزة، ترفع المعضلة قرونها عند الإجابة على سؤال: لماذا لا يتجاوب نتنياهو وائتلافه حتى الآن مع مفاوضات وقف إطلاق النار، وبالتالى إطلاق سراح الرهائن المحتجزة لدى حماس، والانسحاب من القطاع؟.
كلما تأخرت الإجابة، تفاقمت الاحتجاجات الحاشدة فى شوارع وميادين إسرائيل، وارتفعت أصوات عائلات الرهائن، خاصة بعد مقتل 6 أشخاص بنيران إسرائيلية أخطأت هدفها؛ وأصيبت العواصم الضالعة فى الوساطة بالغليان، وتفاقم حرج الرعاية الأمريكية، وزاد احتقان وزير الدفاع يوآف جالنت، الذى أقر بنهاية عملية «السيوف الحديدية» فى القطاع بعد تحقيق أهدافها!
ربما يود نتنياهو نفسه خلاصًا من كابوس غزة، لاسيما وأنه لم يهتم يومًا ببقاء قواته فى محور فلادلفيا، ولا حتى بزوال حماس أو نزع سلاحها، حتى أنه رفض فى السابق اغتيال قائد حماس يحيى السنوار، إذ ضمن وجود الحركة وقوتها بقاء شقاق القوى السياسية الفلسطينية، ورسخ غياب الشريك فى عمليات محتملة مع إسرائيل، ما دعا نتنياهو طيلة سنوات التموضع على مقعد رئاسة الوزراء إلى تمرير أموال الدعم القطرية وغيرها للقطاع، وهو يعلم جيدًا أنها لا تخطئ قبضة حماس.
وإذا انشغل المراقبون والدوائر الضالعة فى المفاوضات بطرح مبادرة أو أخرى لحلحلة النزاع، فالثابت هو استحالة وقف إطلاق النار، أو انسحاب إسرائيل من القطاع، أو حتى عودة الرهائن فى إطار صفقة أو أخرى، طالما ظل ائتلاف نتنياهو باقيًا؛ فإلى جانب تكبيل نتنياهو باتفاقات ائتلافية، دشن اليمين المتطرف المحسوب على «الصهيونية الدينية» حملات مناوئة لوقف إطلاق النار، وعودة الرهائن، أو حتى الانسحاب من القطاع.
وبينما قاد ما يُعرف ب«منتدى الأمل» تجميد محاولات إبرام صفقة مع حماس، وتحفيز نتنياهو على وضع شروط مجحفة تحول دون تمريرها، وقفت جماعة تطلق على نفسها «عودة صهيون إلى أراضيه» وراء حملة «حتى النصر»؛ وفيما ناوأت الأولى الاحتجاجات المطالبة بإطلاق سراح الرهائن، حرضت الثانية على إقالة وزير الدفاع يوآف جالنت، ونصبت قبل قرار عزله بشهور اعتصامات ثابتة أمام منزله. وحسب موقع «شومريم» العبرى، خصص نتنياهو للجماعة ميزانية بلغت 7.4 مليون شيكل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وبرز بين أنشطتها نشر مقاطع فيديو مجهولة المصدر ضد وزير الدفاع قبل أيام يوآف جالنت، ورئيس الأركان هارتسى هاليفى.
بالإضافة إلى تشويه سمعة قادة فى جيش الاحتلال، ينتمون إلى معسكر جالنت وهاليفى، أو من يُطلق عليهم «رفاق السلاح».. وتعيد المعطيات طرح سؤال جديد: مَن يدير مَن فى القرارات ذات الصلة بالعدوان على قطاع غزة؟. لا تتأخر الإجابة كثيرًا، لا سيما مع تحوُّل نتنياهو الباحث عن تحصين بقائه إلى دمية أو خيال ظل بين أصابع قوى «الصهيونية الدينية»؛ فعند التدقيق فى جذور ما يسمى ب«منتدى الأمل»، يبدو واضحًا مدى استباقية توصيات أعضاء المنتدى لقرارات رئيس الوزراء، وتزيد الحقيقة سطوعًا مع اعتراف حاشية نتنياهو بعضوية بعض وزراء الائتلاف فى المنتدى، وفرض أجندة المنتدى على الحكومة ومن يقف على رأسها.
وللتأكيد، يقود الناشط اليمينى المتطرف بارلا كرومبى «منتدى الأمل»، وتفرغ لنشاطه الجديد بعد سنوات عمله مستشارًا استراتيجيًا لوزير الأمن القومى إيتمار بن جافير، فضلًا عن عمله مستشارًا لحزب «عوتسما يهوديت» اليمينى المتطرف، وتلاقى أيدلوجياته المتطرفة مع قادة سابقين، من بينهم وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، ورئيس الوزراء نفتالى بينت. أما تمويل نشاط المنتدى، فيُمرَّر من خلال جمعية دشنها وزير التراث عميحاى إلياهو، صاحب القرارات الأكثر إثارة للجدل، وفى مقدمتها قصف قطاع غزة بالنووي، وإعادة احتلال سيناء. وللالتفاف على تمويل المنتدى من خلال جمعيته، عين إلياهو شقيقه رئيسًا لها منذ عدة أشهر.
تراجع الاقتصاد ومؤشرات سلبية بسبب الإنفاق العسكرى
فى الشهر الثانى عشر من الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تأبه تل أبيب باتخاذ قرار بشأن استمرار القتال فى قطاع غزة والحملة الأوسع ضد إيران و»محور المقاومة»، المتورطين بشكل مباشر فى الصراع. رغم أن كل قرار من هؤلاء سيكون له عواقب اقتصادية كبيرة، خاصة بالنظر إلى أن العجز المتوقع فى الميزانية لعام 2024 من المنتظر أن يتجاوز بشكل كبير التوقعات التى تقوم عليها ميزانية الدولة الحالية.
تأتى هذه التنبؤات فى ظل استمرار الحرب على غزة دون أى مؤشر على أنها تحقق أهدافها، رافقتها سلسلة من الاخفاقات والخطوات الخاطئة التى رصدتها تحليلات البيانات الاقتصادية والتى لم يصل أثرها بعد للجمهور الإسرائيلى حسب موقع «كالكاليست» العبرى، فأرقام الاستهلاك والبطالة جيدة، مما يسمح للسياسيين بالادعاء بأن كل شيء على ما يرام، لكن المؤشرات التى تتنبأ بالمستقبل سلبية إلى حد مثير للقلق. ويرتفع العجز ويخلق سحباً على المكشوف للحكومة سيكون من الصعب تلبيته، المشكلة الكبرى فى هذا النوع من الأزمات هى أن لا أحد يعرف مقدماً أين هى «نقطة التحول»، أى اللحظة التى تأتى بعدها الكارثة، وحسب المحلل الاقتصادى ادريان بايلوت: «يمكننا أن نقول على وجه اليقين إن إسرائيل موجودة بالفعل فى عمق المنطقة الخطرة، وينبغى أن تكون الخطة الاقتصادية المسئولة لعام 2025 هى الخطوة الأولى فى محاولة التعافى.
بعيدًا عن التنبوءات المتشائمة فقد بات الفشل الاقتصادى للحكومة واضحًا فى خفض التصنيف الائتمانى لإسرائيل إلى جانب خمسة بنوك إسرائيلية، فلأول مرة فى التاريخ قامت ثلاث من شركات التصنيف الثلاث الكبرى بتخفيض تصنيفها، وكانت «فيتش» هى ثالث وكالة ائتمان عالمية تخفض التصنيف الائتمانى لإسرائيل هذا العام من A إلى +A، بعد «ستاندرد آند بورز» و«موديز».
وقد قدمت الشركات الثلاث نظرة مستقبلية سلبية بما يعنى خفضاً محتملاً آخر على المدى.
وقال المكتب المركزى للإحصاء إن الناتج المحلى الإجمالى «تأثر بشكل مباشر» باندلاع الصراع فى السابع من أكتوبر، وسجل انخفاضًا فى الإنفاق الخاص بنسبة 26.3%، وانخفضت الصادرات بنسبة 18.3%، كما انخفض الاستثمار فى الأصول الثابتة، وخاصة فى المبانى السكنية، بنسبة 67.8%، وعانى قطاع البناء من نقص العمالة، بسبب الاستدعاءات العسكرية وتقليص العمال الفلسطينيين، وفى الوقت نفسه، قفز الإنفاق الحكومي، وخاصة على نفقات الحرب وتعويض الشركات والأسر، بنسبة 88.1%.
ويتفاقم هذا الأمر بسبب تأثير الحرب على الإنفاق الدفاعي، والنمو الاقتصادي، والاستثمار الأجنبى المباشر فى إسرائيل، وتصنيفها الائتمانى، فلم تشهد إسرائيل هذا الحجم من النشاط العسكرى من حيث المدة والشدة والتكلفة فى الآونة الأخيرة.
وقد فرض استدعاء 360 ألف جندى احتياطى وهو أكبر حشد تشهده إسرائيل منذ حرب يوم الغفران عام 1973 - ضغوطاً كبيرة على المالية العامة الإسرائيلية، وقدرت الحكومة الإسرائيلية أن هذه التكاليف بلغت 41 مليون دولار أميركى يومياً فى المراحل الأولى من القتال، كما بلغت تكاليف الأفراد الإضافية نحو 4.2 مليار دولار أميركى حتى شهر يناير فقط من العام الجارى.
كما أدى اتساع الجبهات ودخول حزب الله على خط المواجهات العسكرية المباشرة مع إسرائيل إلى خفض بنك إسرائيل توقعاته لنمو الاقتصاد، بناء على أن التصعيد إلى جبهات متعددة قد يؤدى إلى «إنفاق عسكرى إضافى كبير وتدمير البنية التحتية والمزيد من الأضرار المستدامة للنشاط الاقتصادى والاستثمار».
وحسب تقديرات بنك إسرائيل سوف تكلف الحرب حوالى 53 مليار دولار أمريكى حتى عام 2025 بناءً على توقعات بزيادة الإنفاق الدفاعى وغيره على خلفية انخفاض عائدات الضرائب.
عام علي العدوان
(هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود) صاحب هذه المقولة الزعيم الروسى الشهير فلاديمير لينين. وهى تجسد بكلمات قليلة حقيقة أن ما شهدته المنطقة ليس فى أسابيع، كما أشار، ولكن خلال عام كامل، لم يكن على بال بشر، حيث لم يتوقع أكثر المراقبين وأعتى المحللين أو حتى الذين يعملون على استشراف المستقبل أن نعيش وقائع ما حدث منذ عام بالتمام والكمال عندما بدأت عملية طوفان الأقصى التى أصبحت حدا فاصلا بين عالمين ما قبله وما بعده، سيتم تسجيلها فى كتب التاريخ كأحد أبرز أحداث القرن الحادى والعشرين.
حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يروج لعالم جديد فى منطقة الشرق الأوسط تكون تل أبيب محوره وأساسه، كان يحلم بمسار تطبيع العلاقات مع كل دول الجوار، وقف قبلها بأيام أمام الأمم المتحدة يعرض خرائط أحلامه ولكنه مع أول تحرك لفرد من أفراد المقاومة باتجاه غلاف غزة اكتشف أنها كانت أضغاث أحلام، كوابيس سوداء، خطوطا على الرمال سرعان ما جاءت أمواج الطوفان العاتية حتى أزالتها من الوجود، لم يكن الأمر متعلقا بنتنياهو الذى سعى إلى كتابة تاريخه الخاص بأنه بانى إسرائيل الكبرى وصاحب الإنجازات التى تفوق الآباء والأجداد المؤسسين لإسرائيل بل وصلت إلى كرامة الجيش الإسرائيلى الذى عاش فى وهم بأنه الجيش الذى لا يقهر، أنه درة تاج الدولة وفخرها حتى إن البعض يتحدث عن أن إسرائيل جيش صنع دولة.
الرد كان مأساويا بقدر الحدث، مذابح فاقت كل تخيل وكل تصور فى حق المدنيين العزل فى قطاع غزة. استهدف نتنياهو ومعه شركاؤه على المستوى العسكرى لإزالتها من على الخريطة لتسويتها بالأرض حيث خطط لمن سيعيش بعد المحرقة أن يسعى إلى النزوح الثانى أو الثالث فى تاريخ الشعب الفلسطينى، سعى أيضا إلى إنهاء أى مقومات لحلم الدولة الفلسطينية عندما أدخل الضفة الغربية ضمن بنك أهدافه، ترك العنان لغلاة المستوطنين تحت سمع وبصر الجيش فى مخطط لتوسيع الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين ودخلت ساحات أخرى على خط المواجهة من لبنان حيث حزب الله واليمن من قبل جماعات الحوثى والعراق. تحالف القوى المسلحة صعد فى الأسابيع الأخيرة من معدلات استهداف قيادات فى العديد من جماعات المقاومة وفى أكثر من ساحة حتى وصل إلى قلب العاصمة الإيرانية طهران حتى باتت المنطقة أمام مخاوف حقيقية من حرب إقليمية تلوح مقدمتها فى سماء المنطقة قد تأتى على الأخضر واليابس.
وقد خصصت «الأخبار» عددا من الحلقات بمناسبة مرور عام على السابع من أكتوبر، حرصنا فيه على تسجيل الصورة كما هى من جميع جوانبها. رصدنا توابع زلزال السابع من أكتوبر من خلال رصد وثائقى لكل مذابح إسرائيل واعتداءاتها على البشر والحجر. توقفنا عند انعكاس ما حدث على جميع الساحات العربية والإقليمية وبالطبع من داخل إسرائيل وبحثنا عن (طاقات نور) ضمن هذه المأساة فلم نجدها سوى فى الموقف المصرى الواضح والصريح الذى نجح فى وقف مخططات التهجير والنزوح وكان عاملا مساعدا فى تخفيف معاناة أهل غزة من خلال المساعدات الإنسانية وكذلك زيادة الوعى الشعبى فى كل دول العالم حول حقيقة العدوان الإسرائيلى الذى تمثل فى مظاهرات طلبة الجامعات فى العديد من دول أوروبا وأمريكا ومن زيادة معدلات المقاطعة لكل ما يتعلق بإسرائيل ومن يساندها.
وهذا هو الجزء الرابع
«طوفان الأقصى» كشف عورة الموارد البشرية فى جيش الاحتلال
لم يفرز العدوان على غزة أزمة تجنيد طلاب المدارس الدينية، ولا حتى رفض الخدمة العسكرية بين صفوف جيش الاحتلال، وإنما ساهمت الأزمتان فى تفاقم واقع الموارد البشرية لدى جيش الاحتلال بعد «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023. حينها حوصر نتنياهو بين ضغوطات المتشددين دينيًا (الحريديم)، الهادفة إلى مصادقة الحكومة على قانون إعفاء أبناء تلك الشريحة من الخدمة العسكرية، وبين متطلبات الواقع الميدانى المرتبك، ما اضطره إلى سرعة اتخاذ قرارات وصفها فى حينه ب«الإنقاذ السريع».
دون تشاور مع الحكومة، أو وزير الدفاع، أو حتى عرض الأمر على لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، اتخذ نتنياهو قرارًا بتفعيل «المرسوم 9»، الرامى إلى استدعاء قوات الاحتياط داخل وخارج إسرائيل. وتحت جنح ظلام ما وصفته إسرائيل ب«السبت الأسود»، وبتمويل تنظيمات يهودية أمريكية، تقاطر أسطول طائرات شركة «إيل عال» على مختلف دول العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة؛ وبينما اخترق الأسطول برحلاته عطلة يوم السبت المقدسة وفقًا للتعاليم اليهودية، جمع مع العودة إلى مطار بن جوريون فيالق الاحتياط من خارج إسرائيل.
ولم تسقط من ذاكرة نتنياهو أول مرة جرى فيها تفعيل «المرسوم 9»، وكانت خلال انتشار جنود الاحتياط على الحدود مع سيناء فى سبتمبر 2011، وعزت تل أبيب الخطوة حينها إلى سيولة العمليات الإرهابية فى سيناء، والتحسُّب من انزلاقها نحو العمق الإسرائيلي. وفيما فعَّلت تل أبيب القرار ذاته للمرة الثانية خلال تفشى وباء «كورونا»، كانت المرة الثالثة خلال العدوان على غزة فى 5 أغسطس 2022، المعروف إسرائيليًا ب«مطلع الفجر».
بدا واضحًا أمام ناظرى نتنياهو قسوة الآثار المترتبة على «طوفان الأقصى» إذا ما قورنت ب«كورونا» واضطرابات أمنية أخرى؛ ونظرًا لاقتصار عمر «المرسوم 9» على 25 يومًا، اضطر نتنياهو إلى تصعيد حالة الطوارئ عبر تفعيل «المرسوم 8»، الذى لا يرتبط فى سريانه بمدة زمنية محددة لعمل قوات الاحتياط.
مع طول أمد الحرب فى غزة، تذمَّر جنود الاحتياط وعادوا إلى حيث أتوا من خارج إسرائيل، وتفاقمت الأزمة إلى حد كبير بواقعة انتحار الجندى الإسرائيلى إليران مزراحى، الذى أصيب بصدمة عصبية بعد مشاركته فى العدوان لمدة 5 أشهر. قبل يومين من عودته بموجب استدعاء جديد، وضع حدًا لحياته، فرفضت الحاخامية العسكرية اعتباره شهيدًا، ولم تسمح حتى بدفنه فى المقابر العسكرية.
بعد الواقعة، فقدت قوات الاحتياط وربما نظيرتها النظامية الثقة فى عدالة جيش الاحتلال، ما اضطر نتنياهو إلى التعتيم على تفاقم الأزمة، واستند فى تعويض الموارد البشرية إلى استقطاب فيالق المرتزقة متعددة الجنسيات، لا سيما الأفارقة الذين ساومتهم إسرائيل على منح الإقامة مقابل القتال فى صفوف جيش الاحتلال. وفيما وُصف ب«خيار شمشون»، اضطر نتنياهو أيضًا إلى تفعيل بند «هانيبعل»، الرامى إلى تصفية جنود جيش الاحتلال مع عناصر المقاومة عند صعوبة الفصل بين الفريقين فى أكثر من واقعة داخل وخارج القطاع.
مطبات فى طريق العلاقة بين العسكر والحكومة
على مدى العام منذ السابع من أكتوبر الماضى، مرت العلاقة بين المستويين السياسى والعسكرى بالعديد من المطبات، الكثير من الصعود والهبوط، التقارب والتباعد، تبادل الاتهامات بالمسئولية عن إخفاق السابع من أكتوبر، اختلاف وجهات النظر حول إدارة الحرب فى غزة، خاصة مع إدراك أنه فى نهاية الأمر ، ومهما كانت رؤية العسكريين فإن السياسيين هم من يضغطون على زر الحرب وهم أصحاب القرار وعلى العسكريين تنفيذ المهام.
فى تلك الأثناء حقق نتنياهو بعض المكاسب المؤقتة من خلال الحرب على غزة، فقد توحدت الجبهة الداخلية خلف حكومته فى الأيام الأولى للحرب بعدما كانت تعانى قبل السابع من أكتوبر من أزمة سياسية حادة أثرت على الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية وقوات الاحتياط التى تشكل العمود الفقرى للجيش الإسرائيلي، ومن خلال هذه الحرب استطاع نتنياهو نقل أزمته الداخلية إلى الخارج، واستطاع إسكات المعارضة بكل مكوناتها مؤقتاً، وفى مواجهة حالة الحرب اضطرت المعارضة إلى القبول بحكومة طوارئ وطنية شاركت فيها بعض شخصيات المعارضة مثل بينى جانتس وغيره، لكن نتنياهو ما لبث أن فقد هذا الزخم بعد ما أيقن الجمهور أنه يعطل عمدًا صفقة الرهائن ويتسبب بشخصه فى تعثر مفاوضات وقف الحرب وبات الانطباع السائد أن نتنياهو يفضل استلام جثث الرهائن عن تسلمهم أحياء ضمن صفقة تبادل تنقذ أرواحهم، وأنه يضحى بالجنود الإسرائيليين ويعرضهم لملاقاة حتفهم مقابل بقائه على رأس الحكومة.
امتد الشقاق إلى المستوى العسكري، وخلال أشهر الحرب تعمق الصدع مع الطبقة السياسية ممثلة فى وزراء الحكومة ورئيسها شخصيًا بعد أن توافقت الطبقة السياسية على إلقاء اللوم على الجيش وقياداته تحاشيا للاتهام بعدم توقع أحداث طوفان الأقصى، فى حين أكد القادة العسكريون وقيادات الاستخبارات أنهم أبلغوا رئيس الوزراء وقاموا بتنبيهه إلى وجود تحركات غير عادية ومثيرة للقلق من جانب حماس لكن نتنياهو تجاهل التحذيرات ولم يعرها اهتماما.
أدركت القيادات العسكرية أنهم على وشك التعرض لاتهامات بالتقصير نظرَا لتهاوى غطرسة التفوق العسكرى وتوالت استقالات قيادات عسكرية اعترفت بذنبها وتحملت المسئولية فانسحبت طوعًا من المشهد استباقًا لمصيرها الذى تقرره لجنة تحقيق رسمية تتشكل بعد انتهاء الحرب على غزة.
بدأت الاستقالات مع أهارون هاليفى رئيس الاستخبارات العسكرية وبعده يهودا فوكس قائد المنطقة الوسطى، واللواء يائير درعى قائد القوات البرية، قال إنها شخصية لكن وسائل الإعلام العبرية وصفت الاستقالة بالزلزال وقالت صحيفة تايمز اوف إسرائيل إن الاستقالة تكشف عمق الانقسامات بسبب الترقيات فى الجيش، ومن قبل ذلك أعلن الكولونيل ريتشارد هيشت المتحدث العسكرى للإعلام الأجنبى تقاعده وفى نفس الوقت أعلن ضباط الوحدة المسئولة عن الإعلام استقالاتهم ويوسى سريئيل قائد الوحدة 8200 المنوطة بتحليل المعلومات وفك الشفرات التى تحصل عليها أجهزة الاستخبارات ، ومن المتوقع أن يتقدم رئيس الأركان هارتسى هاليفى باستقالته فى موعد قريب.
تجلى الخلاف بين المستويين السياسى والعسكرى بعد أن أشارت القيادات العسكرية أكثر من مرة إلى ضرورة وقف القتال فى غزة وأن الجيش يكتفى بالإنجازات العسكرية التى حققها هناك، مع إقرار تلك القيادات بأن الأهداف الأولى التى أعلنت للحرب قد أوشكت على التحقق وبات من الضرورى التفرغ إلى الجبهات الأخرى خاصة الشمالية منها لإغلاق الحساب مع حزب الله، كان هاجس تعدد الجبهات التى يحتاج جيش الاحتلال العمل فيها بشكل متزامن مصدر قلق لدى القيادات العسكرية خاصة مع الضغوط التى يعانى منها الجيش من رفض المتدينين الخضوع للخدمة العسكرية، تصاعد الخلاف بين نتنياهو وأعضاء مؤسسته العسكرية بعد أن فندوا ادعاءاته حول أهمية محور صلاح الدين (فيلادلفيا) وضرورة السيطرة عليه، وكانت وجهة نظر بعض العسكريين أن الممر لم يعد مصدر خطر على إسرائيل بعد أن أغلقت مصر فوهات الأنفاق الواصلة إليه ومنعت أى عمليات تهريب.
كان واضحًا أن إصرار رئيس الحكومة على بعض القرارات الحربية التى أثارت استياء القادة العسكريين، يرجع إلى التزامه بإرضاء شركائه الائتلافيين اليمنيين الذين دفعوا فى اتجاه استمرار الحرب وهددوا بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها لو اتجه نتنياهو إلى عقد أى تسوية أو صفقة.
من المفارقات اللافتة أن نتنياهو عمد إلى إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت الذى لا يطيقه مرتين خلال الحرب على غزة، لكنه كان يتراجع عن الإقالة فى كل مرة ليقينه أنه لا الوقت فى زمن الحرب ولا المؤهلات المتواضعة للبديل المقترح ( جدعون ساعر فى الحالة الأخيرة) تسمح لنتنياهو باستبدال جالانت لأنه يحتاجه فى التخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية الخطيرة.
مصنع الاستيطان يفتح الأبواب على الضفة والقطاع
«من نقطة «إيلى غزة» الاستيطانية، ننطلق لإعادة استيطان كامل القطاع، ونمحو عار خروج اليهود منه قبل 19 عامًا»؛ بهذه العبارة المنشورة فى دورية «كيدوشت صهيون» المتطرفة، سمحت حكومة تل أبيب بتسويق الاستيطان فى قطاع غزة؛ وحسب ما نقلته «هاآرتس» عن الدورية اليمينية، نظم أقطاب «الحريديم» جولة داخل القطاع، استبقوها ببيان ترويجي، يدعو إلى ما وصفوه ب«الاتصال بقدسية المكان»، فضلًا عن تلاوة دروس ومواعظ توراتية، ونشاط ممتع للأطفال والعائلات يتضمن عناصر جذب متنوعة.
ربما وشى وضع حجر أساس نقطة «إيلى غزة» الاستيطانية بإحدى أهم أسباب إقالة وزير الدفاع بينى جانتس، خاصة بعد صياغة تصوره للوضع فى القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلى منه؛ وحسب قناة «أخبار 14» الإسرائيلية، أثار جالنت حفيظة وزير المالية، المسئول المباشر عن المصنع الاستيطانى فى غزة والضفة الغربية والقدس بيتسلئيل سيموتريتش برفض الاستيطان اليهودى فى القطاع، لتمكين القوات الدولية المقرر نشرها فى القطاع بموجب خطته من أداء مهامها الأمنية، فضلًا عن إعادة إعمار القطاع.
فى المقابل، تعتزم مجموعات كبيرة من اليهود «الحريديم» إقامة بؤر استيطانية على طول حدود غزة، انتظارًا للوقت المناسب الذى يحتلون فيه معسكرات جيش الاحتلال المؤقتة فى عمق القطاع والاستيطان فيها، كما حدث فى الضفة الغربية فى السابق، ونقل موقع «زمن إسرائيل» العبرى عن إحدى المستوطنات دانييلا فايس أن «مدينة رفح الغزاوية ليست مستثناة من مشروع الاستيطان الوشيك»، وأمام حشود تألفت من 50 ألف مستوطن، دعا وزير الأمن القومى إيتمار بن جافير المستوطنين الحريديم إلى أنه «يجب علينا أن نفعل شيئين: الأول: العودة إلى غزة الآن! العودة إلى المنزل! العودة إلى أرضنا المقدسة! والثاني: تشجيع هجرة الغزاويين من القطاع، إنه عمل أخلاقي! إنها عقلانية! هذا صحيح! هذه هى الحقيقة!».
أما عضوة الكنيست تسيفى سوكوت، فدعت هى الأخرى من باب تحفيز المعسكر الاستيطانى إلى عدم اقتصار النشاط على ترديد شعارات عودة الاستيطان اليهودى إلى قطاع غزة، وقالت: «يتحتم على الجميع الإيمان والثقة فى مجيء اليوم الذى يلعب فيه أبناؤنا وبناتنا فى شوارع قطاع غزة..
ولا يقل ما يجرى فى غزة عن سعار المصنع الاستيطانى فى الضفة الغربية، لا سيما فى ظل العمليات العسكرية، التى يعربد بها الاحتلال داخل مخيمات الضفة، ويعتمد خطط هدم المنازل، وتخريب البنى التحتية، وشبكات مياه الشرب، والصرف الصحي، تمهيدًا لبناء مستوطنات جديدة، علاوة على التى اعتمدها وزير المالية بيتسلئيل سيموتريتش منذ انضمامه إلى الحكومة فى ديسمبر 2022 وحتى الآن، ويؤمن رعاة المشروع الاستيطانى فى الضفة بحتمية الضغط على بالون القطاع من الشمال إلى الجنوب، لينفجر فى وجه الأراضى الأردنية، بحكم التواصل الجغرافى بين الضفة من جهة، والمملكة الهاشمية من جهة أخرى.
انهيار ثقة المستوطنين فى حكومة وجيش تل أبيب
تبددت ثقة الإسرائيليين فى قدرة حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال على احتواء الأوضاع الأمنية المتردية منذ عملية «طوفان الأقصى» حتى الآن؛ وبعيدًا عن كشف حساب مؤجل حول إخفاقات المستوى الأمنى فى التعاطى مع تبعات عمليات المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة، سقطت ثقة المستوطنين مع انتهاك المجال الجوى الإسرائيلى غير مرة من الشمال والجنوب، ووصول الأمر إلى اختراق منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلى بصاروخ الحوثيين القادم من مسافة تزيد على 2000 كيلو متر وسقوطه فى عمق تل أبيب.
وبينما لا تمل الأجهزة المعنية فى تل أبيب نشر رسائل التطمين، الداعية إلى عودة المستوطنين النازحين من الشمال إلى مستوطناتهم، وعودة مستوطنى غلاف قطاع غزة من إيلات إلى حيث أتوا، وتسويق توفير الملاجئ الآمنة لاستيعاب الجميع وقت الخطر، لا يكترث المستوطنون بالرسائل وأصحابها، ولم يسقط من ذاكرتهم عزوف نتنياهو وحكومته عن إبرام صفقة لإعادة الرهائن من قطاع غزة.
وتجاوزت أزمة ثقة الإسرائيليين فى الحكومة أروقة الخطاب العام، وانتقلت إلى ساحات ثقافية، ترى أن الأزمة لا تكمن فقط فى مصداقية وسائل الإعلام، أو التمثيل السياسي، وإنما اتسعت على النطاق الاجتماعى والثقافى، لتؤثر بشكل أو بآخر على الموقف العام من رئيس الوزراء.
وحسب كتاب «أزمة ثقة» للكاتبين الإسرائيليين يوفال كارنيال، وعاميت ليفى دانور، تختلف ظاهرة أزمة الثقة الحالية عن الماضي، إذ لا يتعلق الأمر فقط بتسلل الأكاذيب والخرافات والمعلومات غير الموثوقة، وإنما بفقدان ثقة الإسرائيليين فى القائمين على الدولة.. وكان الكاتب الإسرائيلى آفى بار إيلاى أكثر جرأة فى مقاله المنشور بمجلة «ذى ماركر»، حين تساءل ساخرًا: «من هذا المجنون الذى يتجاوب مع رسائل تجديد الثقة فى الحكومة وجيشها، ويسمح بتربية أطفاله على حدود غزة، أو على الحدود مع «حزب الله»؟!»؛ مشيرًا إلى أنه من الصعب تحديد قوة الضربة التى قد يتلقاها المعسكر الاستيطانى لاحقًا، لكن الثابت أنها ستكون كبيرة.
وفى نهاية مقاله، يشير إيلاى إلى تراكم أطنان المقالات والكلمات حول درجة انعدام الثقة فى الحكومة والجيش، التى وصلت إلى أرقام قياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.