دارت علامات استفهام كبيرة حول إمكانية اغتيال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على خلفية إخفاق حكومة «الليكود» فى الخلاص من ورطة حرب غزة، وفشلها فى إعادة المختطفين لدى حماس؛ وربما أعادت الإرهاصات إلى الصدارة، مشهد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين فى 4 نوفمبر 1994، لاسيما مع تلاقيه ومفردات محاولة اغتيال مرشح الرئاسة الأمريكية، الرئيس السابق دونالد ترامب فى بنسلفانيا قبل أيام. ورغم استبعاد تكرار الواقعة إسرائيليًا مع نتانياهو، وتعويل المؤمنين بذلك على ما يوصف بكفاءة وخبرة طواقم الحراسات السريَّة، التابعة مباشرة لجهاز الأمن العام ال«شاباك»، يشى الواقع بغير ذلك، لا سيما مع تحذير نتانياهو نفسه من انفلات الأوضاع الأمنية، ودخول نجله يائير على ذات الخط بتغريدة على موقع التواصل الاجتماعى. الثابت هو أن نتانياهو ونجله ليسا وحدهما المسؤولين عن تسويق المخاوف من خطوة دموية وشيكة، وإنما انضم إليهما كامل أعضاء الائتلاف المتطرف فى جلسة حكومية موسَّعة، تباحثت حول محاولة اغتيال ترامب، واحتمالية استنساخها فى إسرائيل بموجب ما أسموه ب«ارتفاع معدلات التحريض ضد الحكومة ورئيسها». لكن الواقع وفق مراقبين، لا يستبعد استثمار نتانياهو وأعضاء ائتلافه للواقعة الأمريكية فى التمهيد للإطاحة بقيادات إنفاذ القانون الإسرائيلي، التى ترفض تطلعات اليمين المتطرف، لاسيما المستشارة القضائية للحكومة جالى بهاراف ميارا. ويزيد الاعتقاد عن العودة إلى تأكيد زعيم المعارضة يائير لابيد قبل أيام من محاولة اغتيال ترامب، «اعتزام نتانياهو فى القريب العاجل خلاصًا من المستشارة، وبالتالى وضع حد لمواقفها المناهضة لتطلعات الحريديم (المتشددين دينيًا)، خاصة بعد دعوتها إلى تجنيد 3 آلاف حريدى بشكل فورى فى الجيش الإسرائيلى»، وهى الإشكالية التى تصيب رئيس الوزراء بصداع رأس لا ينتهى مع أعضاء ائتلاف اليمين. وبعيدًا عن استثمارات بنيامين نتانياهو، لتحقيق مكاسب سياسية وائتلافية ضيقة، تظل إمكانية اغتياله غير بعيدة عن ناظرى مراقبين، ويتضاءل معها التعويل فى حمايته على قدرات منظومته الأمنية، خاصة جهاز ال«شاباك»، و(الوحدة 730)، المعنية منذ تأسيسها عام 1958 بتأمين رئيس الوزراء، وكبار رجالات الحكومة، والشخصيات الإسرائيلية العامة. وبينما لا تترك دوائر تل أبيب ثغرة حال التشكيك فى قدرات جهاز ال«شاباك» ووحداته الأمنية، خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب، ملَّت أكثرية الإسرائيليين «مبالغات خالية المضمون»، ورأت أن إخفاق الجهاز بداية من رئيسه رونين بار فى التنبؤ بموقعة «طوفان الأقصى» فى مستوطنات غلاف قطاع غزة 7 أكتوبر الماضي، وفشل التعاطى مع الأزمة أمنيًا، وحتى مع محاولات إبرام صفقة لإعادة الرهائن من قبضة حماس، تؤكد جميعها استبعاد فرضية حصانة نتانياهو من محاولة اغتيال محتملة. وربما يزيد تآكل الثقة فى ال«شاباك» وبالتالى فى تأمين نتانياهو، اعتراف رئيس وحدة الحراسات السريَّة (730) الأسبق شلومو هرنوى ب«ارتفاع مستوى التهديد باغتيال نتانياهو إلى حد كبير على خلفية الوضع الأمنى فى إسرائيل»، وأقر المسئول الأمنى الأسبق فى تصريحات إذاعية لموقع «كول براما» العبرى بأن «تنامى استهداف نتانياهو وأى من الشخصيات السياسية البارزة وارد فى أية لحظة منذ ولادة الحكومة الحالية». الكاتب الإسرائيلى المخضرم ناحوم بارنيع فنَّد بمنظوره استبعاد تعرض نتانياهو لمحاولة اغتيال، مشيرًا إلى أن «غياب المساواة أمام القانون بين العرب واليهود أحد أهم أسباب زيادة الاحتقان غير المأمون، ولا يجوز فى المقابل الإيمان بقاعدة «اليهودى لا يقتل يهودياً»، خاصة بعد ثبوت عكس النظرية عبر واقعة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين برصاص اليهودى المتطرف يجال عامير؛ ولا ننسى أبدًا تفادى نتانياهو شخصيًا صدامًا مع حرية الرأى على شبكات التواصل الاجتماعي». ويبدو التناقض واضحًا بين تسويق حكومة نتانياهو لما تصفه ب«العنف والتحريض»، والملفات الإجرامية لأعضاء الحكومة منذ 20 أو 30 عامًا؛ فوزير الأمن القومى إيتمار بن جافير على سبيل المثال مجرم مدان، لكنه اشتكى من اعتقال زوجته حين تظاهرت ذات مرة ضد الحكومة؛ وكذلك الحال مع وزير المالية سيموتريتش، الذى هرب بمعجزة من عقوبة السجن بعد تورطه فى جريمة إرهابية كبيرة؛ أو مع نتانياهو نفسه الذى تجاهل تحريض نجله يائير من ميامى ضد وزير الدفاع يوآف جالنت وأكثر من شخصية ومؤسسة إسرائيلية أخرى. إذا كان القاسم المشترك بين اغتيال رابين، والمحاولة ذاتها مع ترامب، ونظيرتها المتوقعة مع نتانياهو، هو تنامى انفلات الأصوات المعارضة، واستحالتها إلى تحريض على العنف، فرصيد عنف نتانياهو وحكومته، يرفع مؤشرات استهدافه 80 مرة أكثر من اغتيال رابين، حسب تقديرات نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية.