بعيدا عن شطحات وأوهام البعض تتبع أغلب الطرق الصوفية فى مصر منهج الكتاب والسنة وتعمل على تربية المريدين على العلم والقرآن وحب الله ورسوله ودعم الوطن وهو الأمر الذى أكد عليه د. أسامة الأزهرى مؤخرا خلال استقباله شيخ الطريقة الرضوانية الخلوتية حيث أكد أن الطرق الصوفية تقع فى قلب خطة الأوقاف لنشر الفكر الوسطى المستنير، وأن الساحات الصوفية فى الصعيد حياتها العلم والقرآن ولها دورها الإصلاحى بين المتخاصمين وأوجه البر المختلفة وتحفيظ القرآن الكريم. لا يجوز الخلط بين ما يفعله بعض السفهاء وبين التصوف الحقيقى هذا ما يشدد عليه العلماء ومن بينهم د. عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر قائلا: ما يجرى على الساحة من تقمص لشخصيات تدعى أنها تقربك إلى الله تعالى بحبها، وزيارتها وشد الرحال إليها وما يصحب ذلك من رقص وطبل و«تنطيط» وكأنهم فى سيرك: هو نوع من التهريج والعبث المقصود لديننا وعقيدتنا والنبى الكريم والصحابة الأجلاء ومن تبعهم من الصالحين والعلماء لم يعرفوا هذا، ولا فعلوه ولا دعوا إليه ولا أقروه، والدين من هذه الأعمال الشاذة والأفعال الشيطانية براء ولا يخدم سوى الغلاة ودعاة التطرف. ويوضح أن التصوف الحقيقى العملى الواقعى هو: الزهد والورع وحسن الخلق والتواضع والحياء، والتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أعلنه كبار رجال المدارس الصوفية منذ أن وضعت لبناتها الأولى لتقاوم الذين انصرفوا لترف الدنيا، ونسوا الدين والآخرة ومن هؤلاء: الإمام الجنيد والمحاسبى والحسن البصرى وابراهيم بن ادهم ومالك بن دينار وذو النون المصرى وسهل التسترى، وأبو حامد الغزالى والعز بن عبد السلام ود عبد الحليم محمود والشيخ الشعراوى وغيرهم كثير إذ قالوا مصادرنا «كتاب الله وسنة نبيه فمن أتى بغيرهما فليس منا»، وعليه فما يجرى على الساحة ويشاهد الآن من طرق شيطانية: كركرية وعرفتيه وتجنية ومهلبية مجرد لهو وعبث وضلال وإضلال وعدم احترام للدين وتعاليم الكتاب الكريم الذى يدعو دائما إلى التقرب من المولى والدعاء له وحده «إن ربى قريب مجيب» ، والاعتقاد بأن التصرف فى الكون وأقدار العباد هو لخالق العباد دون سواه، أما الذى ينسبه أصحابه للدين كذبا وبهتانا ممن يدعون أنهم هم القربى إلى الله ممن يقول إنه من دخل طريقته فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن ذكر اسمه فهو آمن وأنه هو القطب والغوث والمدد، فهو عبث لايقره الدين ولا يرضى رب العالمين والرسول الآمين . اقرأ أيضًا| القصة الكاملة ل«التيجاني»| زاوية في امبابة وبلاغات بالتحرش.. والطريقة الصوفية تتبرأ منه ويتفق معه فى الرأى د. صابر حارص أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج قائلا: البدع والمغالاة وغيرها من التخاريف والهلاوس التى يحسبها غلاة الصوفية تجليات فى حب رسول الله، تمثل خطرا بالغا على الدين والمجتمع وتخدر أوضاع الناس وتعزلهم عن الدين الصحيح الذى يعلى من شأن الإنتاج والتوحيد الخالص. ويؤكد أنه لا يجوز أن تأخذك الجلالة فى حب النبى وتهزى بأنه جزء من الله، فهذا تدمير لفكرة التوحيد الخالص التى تميز الإسلام عن غيره من الديانات؛ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، والله سبحانه وتعالى يقول: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ» ويشدد أن الأمر بحاجة ماسة إلى مراجعة القضاء والأزهر الشريف ملف غلاة الصوفية ومشايخهم، وبالأزهر جناحان قادران على ذلك بكفاءة وهما هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية فالتخاريف المتداولة لغلاة الصوفية لا يمكن السكوت عليها، فهى شأنها شأن المتاجرة بالدين على يد البعض. ويفرق د. محمد إبراهيم العشماوى أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر بين نوعين من التصوف: تصوف شرعي، وهو الموافق للكتاب والسنة وطريقة السلف الصالح، وسماه الذهبى (تصوف الصحابة والتابعين) وهو تصوف علماء الأمة عبر القرون، حتى ابن تيمية نفسه، كان من أربابه والنوع الثانى هو تصوف بدعي، وهذا ليس بتصوف على الحقيقة، وإنما سمى تصوفا باعتبار زعم أصحابه، من قبيل المجاراة، وهو ما اشتمل على منكر تأباه الشريعة، وتناقضه، ولم يكن على طريقة السلف الصالحين، والنوع الثانى هو ما أرفضه، وأحذِّر منه، وأنأى بنفسى وبالمسلمين عنه وقد نوَّعه ابن تيمية تنويعًا آخر فى (مجموع الفتاوى)، فجعله ثلاثة أنواع: تصوف الحقائق، وتصوف الأرزاق، وتصوف الرسوم؛وتصوف الأرزاق هو الذى يُتخذ فيه التصوف وسيلة للاسترزاق، مع القعود عن العمل وتصوف الرسوم هو الذى يقتصر فيه التصوف على المراسم الشكلية، مع بعده عن الحقائق الجوهرية، وأما تصوف الحقائق؛ فهو مرتبة الإحسان من الدين، وهى أعلى مراتب الدين، وسمى ابن تيمية أصحاب هذا النوع من التصوف (صِدِّيقى هذه الأمة)، وسماهم ابن الجوزى (الصفوة) كما ينبئ عنه عنوان كتابه (صفة الصفوة)، فهذا هو الإنصاف العلمي، الذى ينبغى أن يكون عند النظر إلى قضية التصوف. ويشير إلى نوع مستحدث يسميه (التصوف الأرستقراطي)، الذى لا يتَّبع الشيخَ فيه إلا الكبارُ والوجهاءُ من الطبقة الارستقراطية فى المجتمع، ومظاهر الدنيا حاضرة فيه بقوة، ويقوم غالبا على الروحانيات الشيطانية التى يميل إليها الكبار والوجهاء، والتى يهيمن فيها الشيخ على المريد هيمنة تامة، والشيخ فى هذا النوع من التصوف أقرب ما يكون إلى أهل الدنيا فى العيش المرفَّه، والمظهر البرَّاق، والثراء الفاحش، لكن فى زى شيخ، وسبب ميل الكبار والوجهاء إلى هذا النوع من التصوف؛ أنه لا يوجد فيه أى تكاليف شرعية، سوى أشياء يسيرة، كذكر معين يقوله، وغالبا ما يكون هذا الذكر لأمر دنيوي، كدفع ضر، وجلب نفع، من نحو ترقية وظيفية، أو تولى منصب كبير، أو التغلب على كيد عدو، وكذلك لأن أن أجواء هذا النوع من التصوف دنيوية خالصة، وهى تناسب الأجواء التى يعيشها الكبراء والوجهاء، مع لمسة دينية خفيفة، فهى تعتمد على المراسم الشكلية.