في13 أغسطس المقبل يحتفل فيدل كاسترو بعيد ميلاده السادس بعد الثمانين, مسترجعا من شرفات الذاكرة نحو نصف قرن من الزمان, حكم فيها بلاده بعد ثورة عسكرية نجحت في الإطاحة بنظام الديكتاتور باتيستا. أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية التي شهدتها بلدان أمريكا اللاتينية في خمسينيات القرن الماضي. برز اسم كاسترو ورفاقه من زعماء حركة26 يوليو, وعلي رأسهم تشي جيفارا, باعتبارهما أحد أبرز صناع تلك الثورة, التي غيرت وعلي نحو جذري, ملامح المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية برمته, إذ بدا لافتا ماتحقق علي يد مجموعة قليلة من الشباب لم يكن يزيد عمر الواحد منهم حينذاك علي ثلاثين عاما, من إطاحة بأحد أكثر النظم السياسية فسادا وعمالة لواشنطن,وكيف تمكن هؤلاء الشبان الذين لم يكن يتمتع أحدهم بالحد الأدني من مفاهيم إدارة الدولة, من أن يحدثوا تلك النقلة الاجتماعية التي عاشتها كوبا علي مدار عقود من الزمان, عندما نجحوا في الوصول الي السلطة, وكيف نضجت خبراتهم في الحكم, علي مرأي ومسمع من الجميع, عبر سلسلة من المواجهات لمشكلات كبري, وسط تحديات داخلية وخارجية معقدة. قبل أربع سنوات أعلن كاسترو تخليه عن الرئاسة بعد49 عاما قضاها في الحكم, تعرض خلالها لأكثر من638 محاولة اغتيال, وهو رقم يصعب تخيله, وإن كان من الممكن فهمه في ضوء ما انتهت اليه التجربة الكوبية طوال فترة حكمه, وتحولها الي قوة عسكرية كبري في أمريكا اللاتينية, لاتعتمد علي تعداد ضخم لجيش نظامي,بقدر ماتعتمد علي تكتيك جديد, وهو مايعرف باسم الميليشيات ذات المرجعية الفكرية, التي نجحت هافانا في تصديرها الي العديد من دول العالم. علي مدار خمسين عاما, أشعل كاسترو العديد من الأزمات,وأثار الكثير من الجدل, لكن المقاربة ظلت قائمة بينه ورفيقه في النضال الثوري, ذلك الطبيب الذي أقنعه ذات ليلة باردة من ليالي المنفي في المكسيك, بأن يرافقه لتحرير بلاده,قبل أن يوكل اليه.فيما بعد العديد من المواقع المفصلية في الحكومة, بداية من مهمة الاشتباك مع الوضع الاقتصادي الخطير الذي خلفه نظام باتيستا, مرورا بإقرار قوانين الإصلاح الزراعي, وتحرير مزارع القصب من سيطرة الأجانب, وليس انتهاء بمهمة إعادة هيكلة الجيش. وعلي رغم ماحققه جيفارا من خطوات نحو إنجاز مشروعه الثوري في كوبا,فإنه لم يأنس كثيرا لفكرة التحول من الثورة الي الحكم, إذ ظل هاجسه الحقيقي هو أن الثورة يجب أن تستمر, من أجل ايجاد مجتمع أفضل والوصول الي إنسان جديد, وهو مادفعه بعد نحو عشر سنوات قضاها في الحكم, الي العودة مجددا الي جبال جديدة, والقتال من أجل حرية أرض أخري. تنقل جيفارا بين العديد من الدول الناهضة لدعم ثوراتها, قبل أن يعلن كاسترو في الخامس والعشرين من أكتوبر عام1967, نبأ مقتله علي يد المخابرات الأمريكية في بوليفيا, بعد أن وشي به الفلاحون الذين ذهب لمساعدتهم من أجل الحرية والاستقرار, ليتحول بعد مقتله الي أيقونة تجسد علي نحو مباشر, ليس فحسب أحلام الثورة في قلوب الحالمين بالحرية, وإنما في الوقت ذاته إشكالية لاتزال تبحث عن حل, وهي نفسها تلك الإشكالية التي يمكن في ضوئها فهم ماتشهده مصر مؤخرا من ملابسات, تتعلق في حقيقتها بتلك الجدلية التي لن تنتهي بين الثورة والحكم.. بين خيالات الحلم وحقائق الواقع. [email protected]