ثورة فيدل كاسترو في كوبا, بأمريكا اللاتينية, تمثل حدثا تاريخيا مثيرا للجدل, منذ انتصارها عام1959, ثم انحسارها عندما انهار الاتحاد السوفيتي ونظامه الشيوعي الشمولي, وحتي شحوبها الشديد في الوقت الحاضر, نظرا لاعتلال صحة زعيمها, وتخليه عن قيادة البلاد لشقيقه راؤول. وكانت ثورة كاسترو قد سجلت علامة بارزة في تاريخ حركات التحرر الوطني في العالم الثالث, عندما أطاحت بحكم الديكتاتور باتستا. لكن ما إن تولي كاسترو السلطة حتي ناصبته أمريكا العداء, وفرضت حظرا اقتصاديا علي كوبا منذ1960 وحتي الآن, ولذلك, فإن كاسترو اندفع للاحتماء بالاتحاد السوفيتي ووقع في براثن البيروقراطية الشمولية للحزب الشيوعي, وهذا مايشير إليه بوضوح الكاتب والمفكر اللاتيني اللامع أوكتافيو باث, الحائز علي جائزة نوبل. ويستدعي الاحتفاء بثورة كاسترو عند اندلاعها, ماكتبه عنها الصحفي القدير موسي صبري, فقد بادر بالسفرإلي هافانا العاصمة الكوبية في مهمة صحفية تستهدف رصد بدايات الثورة, وأمضي في كوبا شهرا, التقي بكاسترو وأبطال الثورة.. وما إن عاد الي القاهرة حتي عكف علي إعداد الرسائل الصحفية التي نشرها في صحيفة الجمهورية في كتاب بديع سماه ثورة كاسترو وأصدر الكتاب عام1961. ولا يخفي الاستاذ موسي صبري تعاطفه مع كاسترو وثورته في تلك المرحلة المبكرة من أطوارها.. كما لا يخفي قلقه آنذاك علي مسار الثورة ومصيرها.. غير أنه وضع القارئ في عنفوان التلاحم الشعبي العارم آنذاك بين كاسترو وشعب كوبا. وأبدي انبهاره بما أقدمت عليه ثلاث سيدات عجائز عندما خاطبه كاسترو في مؤتمر جماهيري.. فيدل خذ مائة دولار واشتر بقرة للفلاحين. تلك الطموحات وكأن السيدات الكوبيات كن يفصحن عن أمنيات الشعب في النهوض بحياتهم اليومية من التخلف والفقر لكن ماحدث أن الثورة لم تتمكن من تلبية هذه الطموحات الشعبية, وذلك عندما تحولت الي نظام شمولي.. ومن ثم ظهرت مسألة الهاربين من كوبا الي أمريكا. وكان أوكتافيو فنبات حاسما وصريحا عندما قال إن نحو مائة ألف كوبي قد هربوا, ولم يكونوا من أتباع النظام القديم, ولا منشقين سياسيين, وانما كانوا أناسا من الشعب بائسين وجائعين, وأضاف أن هذا ماشاهدناه علي شاشات السينما والتليفزيون. وأيا ماتكن الاجتهادات وتباين وجهات النظر بشأن ثورة كاسترو بين المؤيدين والمعارضين لها.. فإن ثمة دلائل قوية علي أن الثورة تنزلق في طريق صعب للغاية. ولئن كانت قوي اليسار في أمريكا اللاتينية, التي تولت أحزابها السلطة في السنوات الأخيرة قد تحلقت معنويا من حول كاسترو, إلا أن هذا المد اليساري لم يخرج كوبا من عثرة أوضاعها الاقتصادية وعزلتها السياسية, كما لم يتمكن راؤول كاسترو أن يشق طريقا جديدا في الحكم.. فما يزال يحكم في ظلال فيدل كاسترو. صحيح أن راؤول اتخذ في الشهور القلائل الماضية سلسلة من الاجراءات المحدودة التي حظيت بارتياح شعبي.. ومنها السماح للكوبيين بارتياد الفنادق السياحية, وشراء تليفونات محمولة!! وألمح مسئولون أن ثمة اجراءات أخري تجري دراستها ومنها احتمال السماح للكوبيين بشراء سيارات خاصة, أو شراء وبيع العقارات. ويراهن بعض المستثمرين الأجانب الذين يرقبون الأوضاع الحالية علي أن كوبا تتجه علي نحو متزايد, نحو الطريق الرأسمالي, غير أن هذه التكهنات ستظل مجرد أحلام يقظة حتي ينعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي في أواخر العام المقبل2010, وتكشف قراراته وتوصياته عن الطريق الذي تنهجه البلاد في السنوات القلائل المقبلة. مسيرة فيدل ووسط أجواء التوقعات التي تعيشها كوبا في الوقت الحاضر, أصدر كاتب كوبي هو نور بيرتو فوينتيس كتابا سماه سيرة ذاتية لفيدل وكان الكاتب من المؤيدين لثورة كاسترو, بل وكان ضمن الدائرة الداخلية التي تحيط بالزعيم, غير أنه أصيب بخيبة أمل من كاسترو, ومن ثم انقلب عليه, ويبرر ذلك بأن كاسترو يسعي دوما لتحقيق طموحاته الشخصية, وأنه ازاح شي جيفارا الرجل الثاني في الثورة بدعوي ان كوبا جزيرة صغيرة لا تتسع لهما معا. وكانت السلطات قد سمحت لفوينتيس بمغادرة كوبا عام1994, بعد ان أمضي فترة في السجن في أعقاب محاولة فاشلة قام بها للهرب من البلاد علي متن قارب, وصار من أشد المعارضين لكاسترو, ولا يدخر وسعا في انتقاد نظامه. ومما لا شك فيه أن مثل هذا النقد الصارخ والعنيف يمكن توقعه من شخص انشق علي النظام, وأصبح معاديا له, والمثير أن مثل هذا النقد, وتلك الكتب تجد رواجا في أوروبا وأمريكا, ولذلك جرت ترجمة كتاب فوينتيس الي اللغة الانجليزية وسط وصف ماكتبه بأنه مثير للغاية. وهنا تتعين الاشارة الي ان فوينتيس ممن درسوا أدب الروائي الأمريكي ذائع الصيت آرنست هيمنجواي, ومن ثم فإن مايكتبه يتسم بالبراعة, وقد صاغ شهادته علي كاسترو في قالب روائي, في محاولة للانتساب الي مجموعة من ألمع الروائيين في أمريكا اللاتينية الذين ابتدعوا مايطلق عليه رواية الرجل القوي نظرا لأن القارة اللاتينية حفلت بالعديد من الطغاة, وكان من أبرز أاعلام هذه الرواية, جارسيا ماركيز ورائعته العالمية خريف البطريرك.