تكثر الاجتهادات الراصدة للحالة المصرية منذ سقوط نظام مبارك في مثل هذا اليوم من العام الماضي, وتبدو المحاولات مخلصة للوصول إلي كشف حساب بما تحقق من أهداف الثورة والمقارنة بالخسائر ومحطات الإخفاق سياسيا وأمنيا واقتصاديا. ومع الإقرار بالأهمية القصوي لمثل هذه المراجعات المطلوبة لتصحيح المسار والوقوف علي الحقائق مهما تبدو قاسية, فإن الأهم في تقديري الخروج من دائرة التفاصيل والتعرف علي المشهد بأكمله للتعرف علي الملامح الرئيسية التي سيكون لها البطولة المطلقة في حسم قضايا الحاضر والمستقبل علي حد سواء. ونستطيع هنا أن نسارع بالقول بأن الحقيقة الناصعة التي لا يمكن الاختلاف حولها هي أن الذي تغير منذ بداية الثورة هو الشعب المصري نفسه. لقد انطلقت الطاقات الهائلة والكامنة وتغيرت إلي الأبد المفاهيم والقواعد التي قامت عليها أنظمة الحكم المتعاقبة وأصبح الشعب هو مصدر الشرعية والحاكم بأمره في ربوع مصر. هل نحتاج لأدلة وأمثلة علي ما نقول؟ وقت الغياب الأمني الكامل سهرت الملايين في الشوارع والميادين تحمي الممتلكات العامة والخاصة, في تجربة فريدة من نوعها, نتحدي أن نجد لها مثيلا في أكثر المجتمعات تقدما, ولعلنا نشير فقط إلي انقطاع الكهرباء عن نيويورك لعدة ساعات قبل سنوات, فوقعت جرائم سرقة ونهب واغتصاب بمعدلات قياسية, فما بالنا وأكثر من خمسة وثمانين مليونا استطاعوا أن يصنعوا سياجا أخلاقيا وأمنيا يثير الدهشة والإعجاب إلي يومنا هذا, لأن الأجهزة الأمنية لم تصل إلي كامل لياقتها وفقا لمعطيات جديدة تفرض نفسها في الشارع المصري. ولابد لنا أن نتوقف طويلا أمام انتخابات مجلس الشعب وخروج الملايين للتصويت والتدقيق في الاختيار بعيدا عن موروثات الماضي, ونظرة واحدة علي المجلس الجديد تثبت أن الفرز الشعبي كان صحيحا وواعيا إلي درجة تفوق كل التوقعات. نعم.. لقد تغير الشعب المصري وإلي الأبد, والخطأ, بل والخطيئة الكبري أن يتصور البعض أنه يمكن تضليل وخداع الجماهير بالأدوات نفسها التي نجحت قبل الثورة سواء بالإعلام أو غيره, لأن العقل الجمعي لتلك الجماهير بات ذكيا ولماحا وواعيا لكل ما يدور حوله وبمن يريد العودة به إلي الوراء. ومادامت الحقيقة المؤكدة خلال عام علي الثورة هي الثقة الكاملة في إدراك الجماهير ووعيها بحقائق الأمور, فإن بقية القضايا والملفات يسهل التوقع بنتائجها.