تعيش مصر مرحلة فريدة من نوعها علي طول تاريخها المعروف لنا, فهي الآن بدون زعيم بالمعني الذي اعتدناه طويلا, وحتي المجلس الأعلي للقوات المسلحة اختار العمل بروح الفريق الواحد. فتصدر بياناته وقراراته معبرة عن جميع أعضائه, ترسيخا لمفهوم القيادة الجماعية لأداء الأمانة والمسئولية التي يتحملها أمام الله والشعب والتاريخ. والانتقال لمثل هذا العمل الجماعي بالنسبة للأحزاب والقوي السياسية ووسائل الإعلام والنخبة القادرة علي توجيه الرأي العام وفي كل المواقع سوف يحتاج لوقت يرتبط بوضوح الفكرة والرؤية والإدراك العميق بأن مصر قد تغيرت وإلي الأبد, وأن لها مواكبة عصرها والانفتاح علي تجارب الدول المتقدمة ديمقراطيا واقتصاديا, وهي بالضرورة لا تعرف أو تعترف بمثل هذه الزعامة المطلقة والدائمة لأي حاكم ورئيس لها مهما كان متميزا في مواقفه وتاريخه الشخصي. من المهم حقا الوصول لتوافق مجتمعي يقودنا لوقف صناعة الأصنام التي لاقت رواجا كبيرا في الماضي, ولم تقتصر علي الزعيم الأوحد والمفدي للبلاد منذ أيام الملكية ومرورا بعبدالناصر والسادات ومبارك, ولكنها امتدت إلي الوزارات والمحافظات وكبار المسئولين ليصبح داخل كل موقع زعيم مطلق الصلاحيات, ويعتبر نفسه رمزا للدولة في قوته وجبروته وصلاحياته الواسعة التي يستطيع بها تجاوز القانون مهما جاءت النتائج سلبية وكارثية. الجديد هذه المرة أن الشعب المصري هو زعيم الثورة, وهنا تحديدا مصدر قوتها وتفردها مع الاعتراف بالدور المتميز للشباب الذي أطلقها, وحسما للجدل الذي يخوضه البعض, نقول إن هؤلاء الشباب يحملون جينات الآباء والأجداد الذين أنبتوا فيهم الوطنية الصادقة والخالصة, وبالتالي نكون عند فرصة نادرة لن تتكرر لطي صفحات خطايا الزعيم الخالد والمطلق والملهم وغيرها من صفات, ولنبدأ تاريخا جديدا ومختلفا يمنع استنساخ الأدوار القديمة ويرفض المحاولات الساعية.. وإلي يومنا هذا لتضخيم بعض الوجوه والأدوار علي النهج نفسه المرفوض شعبيا. مصر تتطلع لمفردات جديدة تدخل بها إلي المستقبل الذي يكون فيه المنصب العام مسئولية كبري يخشاها من لا يستطيع الوفاء بها, وهذا لن يكون إلا بتقليص المزايا الهائلة التي جري التعمد بحصرها في الكرسي ليظل الصراع قائما وشرسا وشخصيا دون أي اعتبار للأهداف المنشودة. وهكذا يبدأ العلاج الفعلي للحالة المزمنة من إدمان الزعامة والزعيم. muradezzelarab@hotmailcom