حين نجول بنظرنا بين مختلف ربوع الوطن لا يمكننا أن نخطئ كم لافتات الأحزاب المتنافسة علي مقاعد مجلسي الشعب والشوري من قبل أن تبدأ العملية الانتخابية. ولكننا حين نتفحص مضمون تلك اللافتات نجد أغلبها لا يضيف أي معلومة سوي العصبية لشخص معين أو لمجموعة معينة وليس لقضية معينة. لقد تناسينا في خضم تلك المواد الإعلانية وظيفة المجالس النيابية وهي سن وتشريع القوانين ومراقبة أداء الجهاز التنفيذي للدولة والتي يجب أن تكون المجالس قادرة علي ممارستها. لقد تصفحت العديد من المواد الدعائية لتلك التكتلات فوجدتها لاتتحدث عن عمل يصب في الوظيفة الأساسية لأعضاء المجالس النيابية. ألا يعتبر التدليس علي الناخبين من خلال كلمات فضفاضة لا رابط لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة جريمة في حق الوطن؟ لقد تعجبت حين لم أجد في تلك اللافتات والمواد منظومة, فيما صادفته عيناي, تتحدث عن الانتماء أو عن نظرية للإصلاح أو عن جهود قام بها من يرفع لواء العمل الوطني في هذين الأمرين. وقادني هذا إلي إمعان النظر فيما وراء تلك الكلمات الفضفاضة الجوفاء المرصوصة في اللافتات والملصقات فلم أجد سوي آلية تخاطب تدنت في بعضها إلي حد المناداة بصورة مستترة إلي أن تتقطع أوصال الوطن بعاميات لا تتناسب مع جلال الموقف حيث نحن بصدد بناء جسم تشريعي رقابي شعبي يجب أن يضبط سلوك مختلف منظومات الوطن. للمواطن في العديد من الدول المتقدمة ثقافة الحد الأدني التي نجدها في سلوكياته, ثقافة تبقي حين ننسي ما تعلمناه حسب مقولة هيجل فأين نحن من هذا الموقف وما هو دور آليات التثقيف والتعليم والإعلام في إصلاح هذا الوضع الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا نكاد نتجاوزها؟ ولعلنا نتذكر وبألم أن هذا الذي يحدث قبيل الانتخابات المتوقعة, يحدث أيضا في العديد من المجالس مما يحتاج إلي وقفة نتدارس فيها الأمر علنا نصل إلي منظومة فكرية تعالج الموقف. في رحلة البحث عن معيار لنعطي صوتنا لصاحب ذلك المعيار ولمن يطبقه علي نفسه هل يمكن أن تكون اللغة الصحيحة حاملة القيم والهوية والولاء أحد تلك المعايير؟ كثيرة هي القيم التي يمكن أن نختار علي أساسها من نعطيه صوتنا ولكن في تبخر معظمها تتبقي اللغة الصحيحة السليمة معيارا واضحا من الصعب الجدال عليه. وفي الوقت نفسه لابد من أن ننتبه إلي أن البعض يجيد إلقاء الخطب العصماء عن أي شيء وكل شيء ولكن القلة هي من تطبق ما تقوله علي أنفسها فلتكن اللغة وأمانة الكلمة فرسي رهاننا في انتخاب واختيار المنظومة الأصلح. هل يمكننا أن نعلق الآمال علي نتائج ايجابية للانتخابات المقبلة عسي أن نصبح فاعلين في منظومة لا تعترف إلا بالفعل والفاعل لا المفعول به؟ فبجهدنا جميعا سوف نصل بمصر إلي موقع تستحقه وغابت عنه طويلا, أم سنقبع في منظومة سلبية يبنيها البعض سفها وسفاهة تدعي أن مصر لم تنضج بعد في ممارساتها النيابية وفي خياراتها الحزبية؟ هل مصر ذات حضارة آلاف السنين عاجزة عن أن تعرف من تنتخب ومن ترفض ومن تنبذ؟ أم أن الأمر يتطلب أن نفعل الممارسة النيابية بكاملها بصورة لاتعرف سرقة الاصوات ولا التدليس علي الناخبين؟ الأمر يحتاج إلي عمل دءوب من خلال آليات الإعلام الحكومي الذي من المفترض فيه ألا ينحاز لغير الوطن وليس إلي إعلام رأس المال الذي لا يعرف هوية أو جنسية! أما وأن الانتخابات قد لاحت علي الأبواب فلنعرف أن الأمانة والولاء للوطن تتطلب أن نقف مع المبدأ ومع الولاء ومع هويتنا غير متناسين ما جاء في تعريف الأممالمتحدة للهوية حيث تأتي اللغة في المقدمة. هذا الأمر يجعلنا نشير إلي دور اللغة في بناء وتفتيت الأمم وليس فقط في تفتيت المنطقة العربية ولكن في تفتيت مصر ذاتها وهنا لابد أن نتذكر مشاريع تقسيم مصر التي تتناقلها الوثائق وتخطط لها الأيادي العابثة منذ سنين. واتساءل هل باللهث وراء اللامعيار نكون قد حققنا الديمقراطية؟ أم نكون قد أفشلنا العملية النيابية والانتخابية برمتها؟