عقب إطلاق مجهول النار علي سيارة في مستوطنة عوفرا بالقرب من رام الله, أصيب فيها سبعة مستوطنين بجروح, أحدهم في حالة حرجة, انتابت القوات الأمنية الإسرائيلية حالة من الهلع, فداهمت العديد من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية, واعتقلت العشرات, واقتحمت مدينة رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية, وهاجمت مبني لقناة فضائية, ووفرت الحماية لمستوطنين هاجموا مسجد قبة الصخرة في القدس, لتشعل الغضب الفلسطيني, وتندلع الاشتباكات بين الجنود الإسرائيليين والشباب الغاضب, لتقترب الضفة أكثر فأكثر إلي أجواء انتفاضة واسعة. وجاءت التهديدات بقتل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتزيد الأمور اشتعالا, وحذرت القيادات الفلسطينية من المساس بالرئيس, وحملت إسرائيل المسئولية عن سلامته. ما الذي جعل الأمور تصل إلي هذه الحالة بتلك السرعة؟ ليس حادث إطلاق النار, فهو ليس الأول ولن يكون الأخير, وإنما حالة الاحتقان والغضب التي يراكمها الإسرائيليون كل يوم, فعمليات هدم مساكن الفلسطينيين تتواصل بسرعة, لبناء مستوطنات يهودية علي أراضيهم, ومنها مستوطنة عوفرا المبنية علي أراضي تم طرد سكانها, وكأن إسرائيل في سباق مع الزمن لتفرض واقعا جديدا علي الأرض, لا يبقي للفلسطينيين فيها مأوي, إلي جانب تزايد القمع بالضرب والإعتقال وقتل أي مشتبه في أنه يحمل سكينا, وزيادة الهجمات علي المسجد الأقصي من المستوطنين المهووسين والمحميين بالشرطة الإسرائيلية, كما جاء الصدام الإسرائيلي مع غزة ليلهب مشاعر سكان الضفة, الذين احتفلوا بالتراجع الإسرائيلي عن اقتحام غزة تحت ضربات صواريخ الفصائل الفلسطينية, التي توحدت في غرفة عمليات مشتركة. الأوضاع تتجه إلي المزيد من التصعيد, فالرئيس الفلسطيني الذي اقتربت سيارات الشرطة من مقره في رام الله وجد الإسرائيليين يتجاوزون ويدوسون كل ما تم الاتفاق عليه, وها هم الجنود ينتهكون حرمة السلطة الفلسطينية, وكأنهم يقولون لا سلطة إلا لقوات الاحتلال, فهدد بإلغاء كل الاتفاقيات مع إسرائيل, بما فيها الاتفاق الأمني إذا لم يتراجعوا عن الانتهاكات اليومية للحقوق الفلسطينية, ودعت قيادات السلطة حركة حماس إلي مصالحة فورية, وإسقاط كل الشروط المتبادلة لمواجهة عدوان جديد واسع قد يهب علي الضفة في أي لحظة. إذا كان الغضب الفلسطيني له ما يبرره, فلماذا هذا الجنون الإسرائيلي ضد سكان الضفة الغربية؟ لقد تعرضت القوات الإسرائيلية إلي عدة ضربات تمس الكبرياء الإسرائيلي, أولاها أنها طلبت التدخل لوقف إطلاق الصواريخ من غزة, والتي بلغ مداها مدينة عسقلان, وكادت تضرب في بئر سبع وتل أبيب, وهو ما أربك القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية, ورأت فيه تطورا خطيرا يضع قواعد جديدة للإشتباك, تمكنت فيها الفصائل الفلسطينية من امتلاك أسلحة ردع قوية ثم جاءت بعدها عملية سرقة لرشاشين من طراز ماج علي الحدود مع لبنان, وعند التحقيق مع الجنود قالوا إن الضباب كان كثيفا, ولم يروا من سرق الرشاشين, وعند المعاينة تبين وجود آثار دراجة نارية موتوسيكل قرب المكان, واتجهت الأنظار إلي حزب الله, الذي نشر صورتين للجنود من الخلف من داخل الأراضي المحتلة, وهي ضربة معنوية قوية لجنود الجيش الإسرائيلي, ترافقت مع الإعلان الإسرائيلي عن وجود أنفاق حفرها حزب الله تمتد من لبنان إلي ما بعد الشريط الحدودي في الجليل. في هذه الأجواء المحبطة, ووسط الضجيج حول تورط رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في جرائم فساد, كان علي إسرائيل أن تجد ضحية تمارس عليها ساديتها, وترفع معنويات جنودها المنهارة, ووجدت أن مدن الضفة الخالية من أي سلاح يمكن أن تصبح هدفا سهلا, لكنها وجدت شبابها يخرجون للدفاع عنها بالحجارة, لتزداد الأوضاع اشتعالا, وتجد إسرائيل أنها محاصرة بقوس طويل من النيران يمتد من غزة إلي جنوبلبنان, وها هي الضفة تنتفض.