أثار إعلان تنظيم داعش مسئوليته عن إطلاق نار خارج معرض الرسوم الكاريكاتورية المناوئ للإسلام والمسيء للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذى أقيم بضاحية "جارلاند" فى مدينة دالاس الواقعة فى ولاية تكساس الأمريكية علامات استفهام كبرى حول الغرض من تبنى التنظيم للهجوم الذى تسبب فى مقتل المشتبه فى تنفيذهما للهجوم وإصابة حارس أمن حول الفائدة المرجوة من ورائه، والمكاسب التى يمكن تحقيقها منه للتنظيم، إن كان ثمة مكسب من وراء التورط فيه، خاصة انه وحده من دفع ثمنه بمقتل رجاله، أى أنه بحسابات المكسب والخسارة يعد خاسرا لأنه لم ينل من أحد. ففى الوقت الذى تريث فيه البيت الأبيض فى توجيه الاتهام لأى شخص بالمسئولية عن الاعتداء، والتأكيد على أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما اطلع بنفسه على تفاصيل الحادث ويتابع تطورات التحقيقات انتظارا لما ستسفر عنه لإعلان المسئول عن ارتكابه، سارع شخص يُكنّى بأبى حسين البريطاني، واسمه الحقيقى جنيد حسين بالاعتراف بمسئولية التنظيم عن الاعتداء وذلك فى سلسلة من التغريدات على موقع تويتر زعم فيها أن "اثنين من إخواننا أطلقوا النار للتو على معرض لصور الرسول"، مضيفا: "يظنون أنهم آمنون فى تكساس من جنود (الدولة الإسلامية) " لتحدث صدمة للمراقبين، بما فيها من استباق لنتائج التحقيقات التى قد تسفر عن اتهام آخرين لا علاقة له بأى تنظيم، ولا تربطهم بداعش أى روابط! ويبقى اعتراف "داعش" مجرد محاولة للشهرة، أو لتصوير نفسه على أنه قادر على اختراق الاحتياطات الأمنية فى المجتمع الأمريكي، ولا شيء آخر! الاعتداء الإرهابى على المعرض وتغريدات أبى حسين تسببا معا فى تشتيت اهتمام وسائل الإعلام، وصرف انتباه العالم عن الجريمة الحقيقية التى ارتكبها منظمو المعرض بتنظيمه لاستفزاز مشاعر المسلمين بالإساءة إلى رسولهم الكريم، وتحولت القضية برمتها إلى إدانة الهجوم على المعرض باعتباره عملا بربريا يفضل العنف على الحوار، وهى نتيجة مشابهة لما جرى بعد الاعتداء على صحيفة شارلى إبدو الفرنسية المغمورة. فى الوقت الذى كان بإمكان التنظيم - لو كان فعلا يريد خيرا للإسلام والمسلمين - أن يعقد ندوات ومحاضرات لبيان التحامل غير المبرر على المسلمين وعلى رسولهم الأعظم، ويكشف عنصرية كراهية بعض الغربيين المتعصبين للإسلام، من خلال الكيد بالباطل، وتهافت الحجة باللجوء إلى السخرية من نبى مرسل، بما لا يتفق مع مبادئ التسامح الدينى والتحضر وقبول الآخر. ولا يخفى على أحد سوء النية المتعمد من جانب ما يسمى ب(مبادرة الدفاع عن الحرية) المتطرفة التى تتخذ من نيويورك مقرا لها بتنظيم مسابقة من هذا النوع والدعوة إلى رسم كارتون عن النبى محمد، ودعوة النائب الهولندى اليمينى المتطرف خيرت فيلدرز المعروف بحقده على الإسلام والمسلمين بدليل تبرعه بقيمة جائزة المعرض وقدرها 10 آلاف دولار من جيبه الخاص للفائز الأول بوش فوستاين، وكلمته التى تقطر حقدا على الإسلام التى ألقاها فى افتتاح المعرض والتى جاء فيها بالنص: الإسلام أعلن الحرب علينا وعلى حضارتنا اليهودية المسيحية، وأضاف: "الإسلام يريد أن يسلبنا حرياتنا، الإسلام والحرية على طرفى نقيض تمامًا". أما منظمة المعرض باميلا جيلار رئيسة (مبادرة الدفاع عن الحرية) فقد أعلنت إنها خططت للمعرض لتسجيل موقف دفاعا عن حرية التعبير وتأكيد أن الولاياتالمتحدة وطن حر لكل الأحرار، وعن رفضها الخنوع لمن يفرضون آراءهم علينا، وقالت أيضا: يريد المتطرفون قمع حريتنا فى التعبير. ضربوا فى باريس، وفى كوبنهاجن. والآن فى تكساس! فى كلام جيلار نية مسبقة لافتعال أزمة لإثبات وجهة نظرها المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، لأن مصطلح حرية التعبير الذى استخدمته أكثر من مرة فى تصريحاتها لا يعنى بالضرورة السخرية من معتقدات الآخرين بقدر ما يعنيه من احترام عقائدهم، فضلا عن أن المجتمع الأمريكى يتسع بالفعل لكل الديانات السماوية والوضعية، وللوثنيين والملحدين على حد سواء ممن لهم آراء تتعارض مع الثقافة والمعتقدات الأمريكية.