شهدت مكتبة الإسكندرية، اليوم الإثنين، فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر "صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية"، الذي يعقد في الفترة من 3 إلى 5 يناير الجاري بمكتبة الإسكندرية، ويشهد مشاركات من 18 دولة عربية تضم خبراء في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والإسلامية. وناقش المشاركون، اليوم، خلال ثلاث جلسات متوازية، عددًا من المحاور المرتبطة بالمواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، وهي "نقد خطابات التطرف"، و"الإعلام ومواجهة التطرف"، و"الأمن القومي". وعقدت جلسة نقاشية حول الإرهاب والأمن القومي، ترأسها الخبير الاستراتيجي اللواء محمد مجاهد الزيات، تحدث فيها اللواء مختار بن ناصر، اللواء المتعاقد والمتحدث السابق باسم الجيش التونسي، واللواء محمد إبراهيم مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي السابق بالمخابرات العامة المصرية، والدكتور أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الدولية والقانونية. وارتكزت الجلسة حول تداعيات صعود الحركات الإرهابية في العالم العربي على الأمن القومي للدول العربية. في بداية الجلسة، أشار اللواء الزيات إلى أن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة على أمنه القومي، بحسب وصفه؛ حيث أصبحت العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا في إطار تصارع النظام الإقليمي. وأضاف أن الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية تلعب دورًا حيويا في عملية التقسيم هذه، موضحًا أن هذا التنظيم لا يختلف في جوهر أفكاره عن التنظيم الأم القاعدة في غير درجة التوحش والإسراع إلى إعلان الخلافة. وفي كلمته قال اللواء مختار بن ناصر إن هناك العديد من الشباب التونسي الذي التحق بالتنظيم في سوريا ويتراوح عددهم بين ألفي إلى ثلاثة آلاف فرد، من بينهم من تم احتجازه من قبل الأمن التونسي قبيل مغادرته إلى سوريا للجهاد. كما أن تونس تعاني من وجود بعض الجماعات المسلحة داخل تونس التي اختارت أن ترفع السلاح في مواجهة الدولة. وركز اللواء محمد إبراهيم في كلمته على تحديدات الإرهاب في شبه جزيرة سيناء على الأمن القومي المصري، وأشار إلى أن تاريخ الحركات الإرهابية في هذه المنطقة لا يتعدى العقد، غير أنها، يقول، شهدت عمليات مكثفة وخطيرة من حيث الكم والكيف اشتملت على تفجيرات واعتداءات. وأوضح أن دراسة الإرهاب في سيناء يجب أن تتم في محددات تتمثل في أن المؤسسات المصرية لم تثبت نفسها بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 15 عامًا وأنه لم يتم إدماج سيناء اقتصاديًّا في المنظومة الاقتصادية للدولة المصرية، كما أن المنطقة شهدت منذ سنوات قليلة صعودًا في التوجهات المتطرفة بين الشباب ولم تعمل الدولة ولا القبائل التقليدية على التصدي لها. وفي جلسة "الإعلام ومواجهة التطرف" تحدث كل من الدكتور محمد إسحاق من موريتانيا، وسمير عمر، مدير مكتب قناة سكاي نيوز عربية بالقاهرة، والكاتب الصحفي السعودي خالد بن حمد المالك. وأدارت الجلسة الكاتبة المغربية وفاء الصندي. وتحدث خالد بن حمد المالك عن قيام بعض الكيانات بتغذية الإرهاب ورعايته، مبينًا أن الإعلام والتعليم والخطاب الديني كلها عوامل لها دور في العمليات الإرهابية لكن بنسب متفاوتة، وتظل المسئولية الكبرى واقعة على الدول الراعية للإرهاب، حسب وصفه. وتناول الدكتور محمد إسحاق تجربة موريتانيا في محاربة التطرف والإرهاب. وقال إنه في عام 2008 وضعت السلطة مواجهة الإرهاب ضمن أبرز أولوياتها، وفي الوقت نفسه أدرك المسئولون أهمية تعزيز الحريات العامة لا القضاء عليها، فتم تحرير المجال الصحفي، كما دعمت الدولة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات. وقال سمير عمر إن تعريف الإرهاب يرتبط بالجهة التي تطلق هذا التعريف أو المصطلح. أما الحقيقة الثانية فهي أن الإرهابيين أنفسهم يدركون أهمية الإعلام، فكل المنظمات الإرهابية تؤمن بأهمية العمل الإعلامي في تصدير صورة ذهنية عن نفسها للمتلقي، بحسب قوله. وفي الإطار نفسه عُقدت جلسة "نقد الخطاب الديني"، التي أدارها الدكتور صباح ياسين، أستاذ الإعلام بجامعة البتراء بالعراق، وتحدث فيها كل من الدكتور رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع، والشيخ أحمد تركي، مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف، والدكتورة سمية فيطاني، الباحثة بمركز الملك فيصل في السعودية، والدكتور عبد السلام الطويل، الأستاذ الزائر بجامعة الملك محمد الخامس في المغرب. وفي كلمته أكد السعيد رفضه لاستخدام مصطلح "التطرف الديني" واستخدام مصطلح "التطرف المتأسلم" بدلا منه، قائلا إن التطرف هو الوصول بالشيء إلى منتهاه. فالتطرف الديني هو الوصول إلى مرحلة الإيمان الشديد، ولذا، يضيف، فإنه يجب استخدام مصطلح "التطرف المتأسلم". وأضاف السعيد أن عدم إعمال العقل هو بداية الطريق إلى التطرف، قائلا: في النص القرآني معجزة ربانية، وهي ضرورة إعمال العقل في بعض آياته، التي عند تأويلها تعني أن يتحول الكافر إلى مسلم موحد، حسب قوله. وتابع السعيد: القول بأن سيد قطب هو الذي دفع بالإخوان إلى هذا التطرف غير صحيح، فسيد قطب امتداد لحسن البنا، فالتطرف لم يأت من فراغ، والإرهاب يبدأ من فكرة، وتتحول الفكرة إلى محاولة إلزام معنوي "تكفير"، التي تتحول إلى إلزام مادي "العنف". من جانبه قال الشيخ أحمد تركي في بداية حديثه إنه ليس كل تطرف في الدين يؤدي إلى الإرهاب، ولكنه مذموم أيضا، حسب قوله. وأشار إلى أن هناك جماعات هي التي أهلت الشباب للانضمام لتنظيم داعش وذلك عن طريق فكرها وإيديولوجيتها وتربيتها وتعاليمها. كما أكد أن ليس هناك في الإسلام جماعة، فالإسلام آخى بين الناس في الإنسانية، وأن إنشاء جماعة داخل المجتمع هو جريمة في الإسلام، وهذا هو بداية التطرف والإرهاب. وفي كلمتها قالت د.سمية فيطاني إن التطرف الديني لا طائل منه والإرهاب لم يعد فكرة فحسب بل صناعة احترفها البعض من أجل تحقيق أغراض ومصالح، وأشارت في كلمتها إلى قصص أربع سيدات سعوديات انضممن إلى تنظيمات داعش والقاعدة، وأنهن انتقلن بأطفالهن للالتحاق بأزواجهن في اليمن وسوريا، وأن هذا قد يؤسس لظهور جيل تربى داخل مجتمع متطرف يشجع على العنف والكراهية، مما يهدد مستقبل المنطقة ككل. وتحدث في الختام الدكتور عبد السلام الطويل الذي قال في مستهل كلمته إن ظاهرة التطرف، وما يتصل بها من ظاهرة الإرهاب لا يمكن اشتقاقها مباشرة من النص الديني، بل في ظل محددات أخرى سياسية، وتاريخية، واقتصادية، وسيكولوجية، واجتماعية، وخارجية، ولكن هذا لا يمنع من أن الصراع الحالي هو صراع تأويل النص الديني.