بعد أن سلبتهم رحى الحرب براءتهم وحرمتهم من أن يعيشوا حياة هادئة أجبروا خلالها على تجرع آلام الجوع ومعاناة النزوح من مكان إلى آخر وفقد أقاربهم وأحبائهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية كالتعليم وتلقى الخدمات الصحية اللازمة لهم، بات أطفال اللاجئين يعانون ندوبا وأمراضا نفسية قد تستغرق سنوات، وربما عقودا للشفاء منها، مثل صعوبات النطق ،والسلوك العدوانى، والقلق الاجتماعى،والاكتئاب، والانتحار، وهو الأمر الذى دفع العديد من المنظمات الإنسانية إلى القيام بتجربة جديدة للحد من الأضرار النفسية التى ألمت بهؤلاء الأطفال من خلال علاجهم بالقراءة، ومساعدتهم على مواجهة الصدمات التى تعرضوا لها. يأتى ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه العديد من المنظمات الإنسانية بمهام شاقة مثل توفير الغذاء والمأوى والإغاثات الطبية للملايين من اللاجئين وهى خدمات تعد بمثابة شريان الحياة بالنسبة لهم. غير أن العاملين في المجال الإنسانى لم يكتفوا بذلك، بل بذلوا المزيد من الجهود لمعالجة المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية لللاجئين وخاصة أبناءهم، فهؤلاء الأطفال خاضوا غمار هذه الحرب القاسية رغما عن أنفهم، ولذلك فقد كشفت التجارب المؤلمة للعديد منهم عن مدى تأثيرها على صحتهم البدنية والنفسية، كما كشفت عدد كبير من الأبحاث أن الأحداث الصادمة والمتكررة التى يتعرض إليها الأطفال فى وقت مبكر من عمرهم وشعورهم بعدم إمكانية استعادة الهدوء مرة أخرى لحياتهم، تتسبب فى عدم نمو عقولهم بصورة صحيحة وهو ما يعرف فسيولوجيا باسم «الإجهاد السام». أحد الكتب التى تخصصها المنظمة لمساعدة اطفال اللاجئين وقد سلط تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الضوء على منظمة «نحن نحب القراءة» وهى منظمة غير ربحية مقرها الأردن تعمل على علاج اللاجئين السوريين المقيمين فى مخيم الزعترى، من خلال برنامج يعتمد على القراءة بصوت عال فى الأماكن العامة المخصصة لها، كما أنها توفر الكتب المكتوبة خصيصا لهذا السياق التى سيتم قراءتها لهم فيه. ويعد العلاج بالقراءة من أهم الأساليب العلاجية الحديثة التى عرفت مؤخرا، والتى تهدف إلى تعزيز الصحة النفسية لدى هؤلاء الأطفال، ويمكن استخدامها كعلاج رئيسي لحالات الاضطرابات النفسية، علاوة على ذلك، فإنها تعتبر خيارا منخفض التكلفة ويأتى بنتائج مثمرة. ويشير التقرير إلى تلقى منظمة « نحن نحب القراءة» منحا من كل من منظمتى «اليونيسيف» و»الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، لاعتماد برنامج تجريبي للقراءة لأطفال اللاجئين السوريين فى مخيم الزعترى بالأردن ،بالإضافة إلى كافة مخيمات اللاجئين السوريين الأخرى، إلى جانب ذلك أيضا تطبق منظمة «اليونسيف» برامج تعمل على الربط بين التعليم والصحة النفسية والاجتماعية لدى الأطفال، مما يدل على زيادة الوعى بمخاطر ما يعرف ب «الإجهاد السام» الذى أصاب العديد من أطفال اللاجئين وتأثيره على صحتهم العقلية والنفسية. على الجانب الآخر، أشاد المتخصصون فى مجال العلاج النفسى للأطفال ببرنامج العلاج بالقراءة، فتقول ألكسندرا تشين، إخصائية مجال الصدمات النفسية بجامعة هارفارد الأمريكية، إن هذا البرنامج يوفر مساحة للتعليم في البيئات المهملة نظرا للطريقة التي تم تصميمه بها ويعمل على تعزيز العلاقة الصحية بين الآباء وأطفالهم من خلال القراءة معا، مما يحسن العلاقة بينهما، كما يساعد على إمكانية التكيف مع الثقافات المختلفة والاستجابة لاحتياجات الأطفال الخاصة». أما ديما آمسو عالمة الأعصاب في جامعة براون فترى أن برنامج «نحن نحب القراءة» يعمل على تحفيز الوظيفة الإدراكية للأطفال والقدرة على تنظيم عواطفهم، والتى كان لها أكبر تأثير على الأطفال الذين تعرضوا لصدمات عديدة، وأن من بين أهم الفوائد التي تم تحديدها ليست معرفة القراءة والكتابة فحسب بل تأثيرها على الصحة العقلية لديهم، خاصة فيما يتعلق بالقلق والتعامل مع الغضب. ومن جانبها، ترى رنا دجانى مؤسسة منظمة «نحن نحب القراءة» أن رواية هذه القصص للأطفال تجعلهم يتعلمون كيفية التعامل مع التحديات التى تواجههم، كما تؤكد أن قراءة الكتب تكون باللغة الأم التى تعد أمرا ضروريا لبناء الثقة والشعور بالهوية، وهي صفات مهمة للتطور الصحى لأى شخص، وأنها ذات أهمية قصوى لبناء القدرة على صمود الأطفال الذين يتعاملون مع الصدمات. وتضيف دجانى أن غرس حب القراءة هو أمر مهم للغاية للصحة النفسية والاجتماعية، فعندما تعرف من أنت لن تضيع، كما أن القراءة تخلق علاقة صحية بين الاطفال ومقدمى الرعاية. وتعد رشا المصري - 30 عاما - وهي سفيرة لمنظمة «نحن نحب القراءة» - والتى فرت من سوريا عام 2014 نموذجا للمعلم الذى يعالج الأطفال بالقراءة. فقبل بضعة أشهر، بدأت رشا في عرض القصص على الأطفال مرتين فى الأسبوع فى إحدى المراكز الاجتماعية القريبة من مخيم الزعترى فى الأردن، وقد لاحظت بالفعل حدوث تغييرات للأطفال الذين يواظبون على الحضور باستمرار وتجاوزهم المخاوف الناجمة عن الأحداث اليومية التى يعيشونها والآثار المتبقية من الصراع. وتقول رشا: «كان يوجد طفل يبلل فراشه ليلاً لأنه كان يخشى الذهاب إلى الحمام بمفرده، ولم يكن والداه يعرفان سبب ذلك، ولكن بعد عدة جلسات من القراءة توقف عن ذلك، فالمشكلة الجذرية هى عدم التحدث بصراحة وهو ما ساعدته جلسات القراءة فى التغلب عليه. وتضيف رشا: «إن الأطفال لم يتمكنوا من التحدث عن مخاوفهم، إلا بعد أن تمت قراءة هذه القصص لهم». ولم يقتصر الأمر على منظمة «نحن نحب القراءة» لمساعدة أطفال اللاجئين السوريين نفسيا، قفد قامت منظمة « ميرسى كوربس« وهى منظمة إنسانية تعمل منذ عام 1979 على مساعدة المحتاجين فى الأماكن التي تتعرض للأزمات باعتماد برنامج مخصص للمراهقين المتأثرين بالأزمة السورية الهدف منه تعزيز التنشئة الاجتماعية الصحية في أماكن آمنة ، من خلال أنشطة مثل الرياضة والشطرنج، والتعليم أو التدريب على مهارات مثل التكنولوجيا والنجارة ، لمساعدتهم على تحقيق أحلامهم والاستعداد لمستقبلهم. كما تعمل لجنة الإنقاذ الدولية أيضا على توفير التعليم فى مرحلة الطفولة المبكرة للاجئين فى سوريا والعراق ولبنان والأردن، بالإضافة إلى إقامة شراكة مع «شارع السمسم» وهى سلسلة تليفزيونية أمريكية تهدف إلى تعليم هؤلاء الأطفال الألوان والأرقام والحروف بطريقة ممتعة ومفيدة. وسوف يركز الموسم الأول على «الأبجديات الإنجليزية» لمساعدة الأطفال على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية ،بالإضافة إلى توفير الأدوات التعليمية الخاصة بهذه الأنشطة. وأخيرا يمكن القول إن الجهود المبذولة لتحقيق هذه الأهداف تسير ببطء، فالتدخل الإنسانى لم يفعل ما يكفى بعد لبناء قدرة الأطفال على مواجهة ظروفهم الصعبة، وهو ما يتطلب مزيدا من تضافر جهود المنظمات الإنسانية لتوفير الدعم النفسي والاجتماعى لهؤلاء الأطفال، واعتماد برامج ذات جودة عالية تتم تحت إشراف أكاديمى.