هل يمكن أن تمر إمرأة أمام مرآة ولا تنظر لها.. تطمئن على كحل عينيها، تعيد تثبيت أحمر الشفاه وتتآكد أن كل شيء، كما أرادته بشرتها ثم تضع يديها فى وسطها وتلتف لتنظر يمينا ويسارا..الآن فقط يمكنها ان تتحرك من أمام المرآة . قديما حذرتنا جداتنا من إطالة النظر إلى المرأة..قلن لنا: « المراية ممكن تجنن الواحدة». ربما كن على حق.. بعض النساء إن لم يكن جميعهن أو أغلبهن على الأقل مصابات بهوس المرآة.. البعض لا يرى إلا كل شيء جميلا وخلابا مرتبا، أخريات لا يرين إلا العيوب، تترك كل شيء جميل وتركز فى بثرة ظهرت على بشرتها أو خط رفيع بجانب شفتيها..أو تضع يديها على بطنها فلا ترى إلا كيلوجرامات زائدة.. باختصار لا ترى إلا العيوب.. شيئا فشيئا تقتنع المرأة بأنها قبيحة وشنيعة..تكره المرآة وتكره نفسها ليس العيب فى المراية بل فيمن ينظر إليها وما يرى فيها؟ إضطراب تشوه الجسد يسمونه فى علم النفس إضطراب تشوه الجسد.. يبدأ من سن المراهقة، عادة ما ينحصر تدريجيا.. لكن ليس دائما هولاء لا يحاولون حتى اخفاء عيوبهم ومداراتها بالمكياج أو الملابس بل يعيدون التأكيد عليها وتضخيمها..فتقتنع المرأة إن أنفها كبير ومشوه فلا ترى جمال عينيها، ترى أسنانها البارزة ولا تنتبه لإبتسامتها الجميلة هى فى حالة مقارنة دائما لنفسها مع الأخريات كما يشرح دكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الازهر، فى حالة قلق دائم بسبب شكلها .. قد تصاحب اضطرابات تشوه الجسم الكثير من المشاكل النفسية ، كالإكتئاب، القلق ،التوتر، وإضطرابات الطعام مثل الامتناع تقريبا عنه ، أو الإفراط فيه . إضافة إلى تعرض البعض لفوبيا الاقتراب من الناس ، وبعض حالات الوسواس القهرى ، الذى ينتهى بالاكتئاب أيضا . غالبا ما تظهر أعراض تشوه المظهر فى سن المراهقة، لكن هذا لا يمنع ظهورها فى أى عمر .. وعلى الرغم من أنه مرض نسائى شائع إلا أن الأبحاث تشير إلى أن النساء والرجال يعانون منه على حد سواء ، لكن لا يتم تشخيصه غالباً بسبب عدم قدرة المصاب به على البوح بالعيوب التى يراها بنفسه وبالإجراءات التى يقوم بها لإخفائها. الممثل الامريكى مايكل جاكسون نموذج واضح لهذا الاضطراب . عصر الصورة يشرح دكتور مهدى أن هناك ثلاثة تصورات للإنسان عن ذاته : الصورة الاجتماعية (التى نظهر بها للناس). الصورة المثالية (التى نتمنى أن نكون عليها). الصورة الحقيقية (التى هى حقيقتنا فعلا) . كلما كانت الصور الثلاث للذات قريبة من بعضها كلما توقعنا استقرار وتناغما نفسيا، أما إذا تباعدت المسافات فإننا نتوقع شروخا فى النفس تؤدى إلى تداعيات نفسية أو اجتماعية قد يكون بعضها خطيرا ومهددا للتوازن النفسي، والشخص أو المريض قد يطلب عملية تجميل بناء على أى صورة من هذه الصور، وأصعبها هو الصورة الداخلية (الذهنية) لأنها الأكثر إلحاحا والأقل منطقية من حيث الاحتياج لعمليات التجميل . للأسف نحن نعيش فى عصر الصورة حتى يمكننا أن نطلق على هذا العصر عصر الصورة وهكذا تستولى الشاشة على مساحة الوعى بصورة تكاد تصبح كاملة، فقد أصبحت الصورة تلعب فيه دور البطولة المطلقة وصار الناس -خاصة الشباب أو من يتشبثون بشبابهم- مشغولين بصورة الوجه وشكل الجسم ، ومن لا يعجبه وجهه أو جزء منه يحلم بتغييره أو يذهب فعلا لأخصائى التجميل ، ومن لا يعجبه جسمه يذهب لنفخ عضلاته فى صالات الجيم . والخطورة فى الموقف كله تكمن فى اختزال معايير الجمال بحيث تتركز فى شكل الوجه وفى شكل الجسم وتتآكل بقية مساحات الجمال الإنسانى لحساب الصورة ، عندئذ ستتحول الحياة إلى استوديو كبير ويصبح طبيب التجميل هو المؤلف والمخرج لقصة الحياة ، ولا عزاء للقلوب والأرواح .