فى مقال بعنوان "أشباح الوهم" بمجلة الدوحة القطرية، شن الدكتور حسن حنفى أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة هجوما عنيفا على المثقفين العرب المقيمين بالخارج واتهمهم بالعمالة لأمريكا وتزييف الوعى الإسلامى، وقد أثار هذا المقال ردود أفعال غاضبة بين المثقفين المصريين المقيمين بمصر، فعلق الدكتور على مبروك دكتور الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة على هذا المقال قائلاً: إن هذا المقال لا يمكن أن يتم تصنيفه على اعتباره إنه مقال علمى وقد يكون دافعه الغيرة والمنافسة، لأن الدكتور حسن نفسه يعتبر من أكثر الأساتذة الذين لهم اتصالات واسعة بالغرب، حتى أطلق عليه أحد أصدقائه لقب "الطائر" الذى لا يحط إلا ليطير وهذا من كثرة حضوره للندوات والمؤتمرات الخارجية، والغريب فى الأمر أن المثقفين العرب المقيمين فى الغرب لهم أسماء كبيرة ومحترمة، فهل مثلاً كل من عبد الوهاب الأفندى وعزام التميمى المقيمين بلندن أو هشام شرابى ووليد الخالدى وعبد الحميد صبرة المقيمين بأمريكا، والمفكر الكبير محمد أركون الذى يقيم، بباريس هل كل هؤلاء يكتبون للشهرة أو للاستضافة فى المؤتمرات، وهل الدكتور نصر حامد أبو زيد مثلاً كان يكتب لمثل هذه الأسباب، وكيف يمكن أن نصنف مفكراً كبيراً كأدوارد سعيد الذى قضى عمره فى الخارج لكنه كان يحمل القضية الفلسطينية على عاتقه ودافع عنها حتى آخر رمق، هل كل هؤلاء خائنين لوطنهم؟ الواقع يقول عكس هذا فهؤلاء أكثر إخلاصا للوطن من الكثيرين، ومن يتاجرون بالثقافة العربية والدين الإسلامى عددهم فى الداخل أكثر بكثير من الموجودون بالخارج، ولو كان المثقفون يريدون المال لذهبوا إلى جامعات الخليج ومطبوعاته التى تدفع أكثر بكثير من الجامعات والدوريات الأوروبية، ومن الخطأ دائما أن "نعمم" وجهة النظر فى الحكم على كل المثقفين المتواجدين بالخارج، لأن لهم إنجازات فكرية كبيرة، ولا يخفى على أحد أن الغرب رائد فى مجال العلوم الإنسانية، ولا يمكن أن نتجاهل إسهامه، ومن هنا تكون ضرورة الالتحام بالغرب لإثراء الفكر والاطلاع على أحدث الأبحاث، من خلال المؤتمرات. ومن الظلم وضع المثقفين العرب المقيمين بالخارج فى سلة واحدة، فأولا الغرب ليس غبيا كى يختار ببغاوات يرددون بيانات جوفاء، وثانيا من يرضون بهذا الدور المهين غير محسوبين على الثقافة، بل على السياسة، ومن الخلط أن نطلق عليهم لقب مثقفين. وشدد الدكتور مبروك على أن المثقفين العرب المقيمين بالخارج لا يمكن أن يلومهم أحد على هذا لأنهم ذهبوا وتغربوا تحت ضغط الواقع العربى المهين، وكان سبب رحيلهم إما النفى كما فى حال الدكتور نصر حامد أبو زيد، أو فساد السياق العلمى والثقافى، كما فى أغلب الحالات، وأكد الدكتور مبروك على أن هذا الاتجاه غريب على الدكتور حسن لأن كان يكرر دائما انحيازه للموضوعى وليس للشخصى، وللفكرة بصرف النظر عن قائلها، إلا أن الدكتور حسن دائما ما كان يقول إنه يكيف خطابه على متلقيه، فيتحدث للمتشددين بلغتهم وللعلمانيين بلغتهم، ولهذا لم يؤثر فى هؤلاء أو أولائك. وهذا الأسلوب بالطبع لا يتناسب مع شخصية العالم الذى يبدأ من لحظة شك ومن خلالها يبدع ويغير. أما الكاتب حلمى النمنم فقال: الاتجاه فى النقد ليس غريبا على الدكتور حسن فقد أصدر كتابا فى الثمانينيات هاجم فيه المثقفين والمفكرين العرب كلهم، ومن المعروف عن الدكتور حسن أنه يبدو سلفيا أكثر من السلفيين، وعلمانيا أكثر من العلمانيين، وهذه مشكلته الأزلية، وحينما سافر إلى الاتحاد السوفيتى شبهه الروس "بالبطيخة" وقالوا له إنك من الخارج أخضر أى "إسلامى" ومن الداخل أحمر أى "شيوعى" وبالطبع لا يجوز من عالم أن "يعمم" الحكم، ولا أن يتهم أناس شرفاء بمثل هذه التهم، فهناك أسماء براقة أسهمت فى وعى الإنسانية وحاربت من أجل قضيتها الوطنية مثل المفكر الكبير إدوارد سعيد الذى أسهم فى شق جدار الغرب ونظرته العنصرية، أو المفكر أنور عبد الملك الذى مازال حتى الآن مصراً على فكرة الوطنية، أو أهداف سويف التى تدرس فى جامعات الغرب، ومع ذلك فإن موقفها من القضية الفلسطينية يعتبر نموذجا محترما ومشرفا، وكذلك طارق رمضان الذى يعمل فى أكسفورد، وكلام د. حسن يغلب عليه الروح العاطفية وليس العلمية، وإلا فماذا يقول عن المفكر العربى محمد أركون الذى يشتغل على التراث الإسلامي، ودائما ما يظهر إعجابا كبيرا بمحمد عبده ونجيب محفوظ، كما أنه يعتبر نفسه تلميذا لطه حسين. وعن اتهام د. حسن المثقفين المغتربين بأنهم يسعون إلى تجديد عقدهم أو الحصول على عقد أفضل، قال النمنم: هذا اتهام باطل ودرب من التفتيش فى النوايا، ومن المفروض أن نحاسب الناس على كتاباتهم وليس على ظنوننا عنهم، فحتى الله سبحانه وتعالى لا يحاسب أحداً عن نيته وهو الذى يعلم الغيب والنوايا، فكيف يحاسبهم د. حسن على ذلك، وأضاف: هذا نوع من أنواع "محاكم التفتيش" الذى لا يليق بعالم وباحث مثل الدكتور حسن. مستنكراً ما كتبه د. حسن قال الباحث والكاتب البارز نبيل عبد الفتاح: يتعين ألا نأخذ بكل ما يكتبه كبار المثقفين العرب كالدكتور حسن فى الصحف الخليجية بعين الاعتبار، لأن هذه المقالات لا تدل على إنجازهم ولا مشروعهم، وفى الغالب يكون الدافع ورائها هو سياسة الناشر، وليس رؤية الكاتب، وهذا يتضح فى المجلات التى تصدر عن مؤسسات "بدو قراطية نفطية" لأن تلك المجلات تحاول أن تثير قضايا سجالية مثيرة فى بلدان العسر العربى كمصر والمغرب، لإرضاء شرائح القراء فى إقليم النفط فى حين أنه من المطلوب أن يناقشوا القضايا التى تتعلق بأوطانهم وليس بأوطان غيرهم، بدلا من إصدار انطباعات عشوائية عن بلدان كبرى أو عن أوضاع المثقفين العرب فى الغرب، دون دراسات علمية محققة، ويأتى مقال د. حسن هذا تعبيرا عن التأثير السيئ الذى لعبه صحافة النفط الخليجية. وطالب د. نبيل دكتور حسن بمراجعة أفكاره تلك لأنها نتاج مرض من أمراض بعض أطراف الجماعة الثقافية فى مصر والعالم العربى وهذا المرض الخطير هو الخلط بين الانطباعات الذاتية الشخصية وما تحمله من شحنات عاطفية، وبين الروح العلمية والبحثية التى يجب أن تتوافر فى شخص مثل مولانا وشيخنا حسن حنفى. أما الكاتب والباحث د. عمار على حسن فقال: لا أحد يشكك فى إخلاص د. حسن أوفى وطنيته لكنه للأسف يمثل حالة كبيرة من التناقض وحتى وقت قريب كان يرفض الكتابة فى الصحف والمجلات الخليجية ويسميها مجلات "النفط" لكنه يحرص الآن على ذلك أشد الحرص، كما أن كتاباته الأولى تتناقض مع كتاباته الآن وهو مشغول منذ فترة بمحاولة أخذ الثأر من الغرب، ولهذا كتب كتاباً بعنوان "مقدمة فى علم الاستغراب"، رداً على علم الاستشراق. ومشكلة كتاباته الأخيرة أنها تغرق فى التعميم، وكثير من المثقفين والمفكرين العرب عاشوا فى الغرب بأجسادهم فقط أما أرواحهم فبقيت فى أوطانهم يشعرون بآلامه ويحزنون لنكساته، ويدافعون عن وجوده، أشرس دفاع، وهذا ما يفعله الدكتور نصر حامد أبو زيد الذى هاجمه أبناء وطنه ونفوه بحجة أنه يهاجم الإسلام، وهو الآن فى المنفى يدافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية، أكثر ممن هاجموه هو شخصيا، وأضاف د. عمار: النموذج الذى يهاجمه د. حسن هو نموذج الإسلام الليبرالى الذى انتشر بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وبدأت الولاياتالمتحدة فى رعايته، لكن ما غاب عن د. حسن أن هذا النموذج نما فى وقت أبعد من ذلك بكثير وبالتحديد فى أوائل الثمانينيات ومن أعلامه الصادق النيهوم فى ليبيا، ومحمد جابر الأنصارى فى قطر، وعبد الله الغذامى فى السعودية، وعلى حرب فى لبنان وجمال البنا فى مصر، وكل هؤلاء الأشخاص ضد الإمبريالية وضد أمريكا، والدكتور حسن نفسه كثيراً ما ينتقد المشروع الإسلامى فى الصميم، ويكاد يقترب من فكرة موت الإله، والإعلاء من قيمة الإنسان ومركزيته فى الكون، فكيف يتهم الآخرين بما يمارسه هو. صورة من مقال د. حسن حنفى..