نحن مقدمون على مرحلة جد خطيرة فى مراحل تطورنا كأمة إسلامية، يتعايش معنا أخوة ذوى ديانات ومعتقدات تخالف ما نعتقده، حتى فى الدين الواحد تختلف المذاهب والرؤى، مما يجعل أبناءً يخاصمون والديهم، ومواطنين يخونون بلادهم، ومع ما نمر به من ضعف وما يمر به غيرنا من قوة ممن يتربص بنا الدوائر من الخارج ويحلو له تأليب الأقليات على الأغلبية، وصلاً بما كانوا عليه من قبل أيام سياسة فرّق تسد، لذلك أرى أن من الذكاء، ومن العدل تفعيل صفة التسامح التى يتميز بها الاسلام، وساد بها المسلمون الأوائل. وفى ظل انتشار الفضائيات الدينية على اختلاف العقائد التى تنادى بها ومشارب القائمين عليها وأغراضهم التى كثيرا ما تتنافى مع جوهر الأديان جميعا، فتدعو إلى التعصب بدلا من التسامح وإلى التنابز والخصام بدلا من الحب والسلام، أرى أنه قد آن الأوان لتكون المدرسة هى الأصل فى نشر ثقافة الحب والتسامح واحترام الآخر خاصة، وهى تتعامل مع النشىء منذ نعومة أظفارهم، فتبدأ وزارة التربية والتعليم بمراجعة ما نسميها فى مدارسنا بحصة التربية الدينية، والتى يدرس من خلالها منهج التربية الدينية سواء الدين المسيحى أو الإسلامى بالتعليم قبل الجامعى، بطريقة تؤدى إلى تقسيم أفراد الفصل الواحد (وهم جميعا مصريون منسجمون فى نسيج وطنى واحد لا نستطيع فصل خيوطه عن بعضها) إلى قسمين أحدهما يظل، بالفصل وهو المسلم نظرا للتفوق العددى مع مدرس الدين الإسلامى الذى هو فى الأصل مدرس اللغة العربية، وقسم آخر ينتقل إلى حجرة أخرى ليدرس الدين المسيحى مع مدرس مسيحى قد لا يكون مؤهلا أصلا لتدريس الدين، وهذه هى الشرارة الأولى فى حريق التفرقة التى تتأجج فى قلوب النشىء، والتى تكبر وتتعاظم مع الوقت حتى تؤدى إلى كراهية الآخر من كلا الطرفين على السواء، وتمزيق الثوب الواحد تمزيقا لا يترك لأحد الجانبين الفرصة للاستفادة بما تبقى مما يعتقد أنه يخصه !!، وقد يكون أيضا هو السبب الوحيد لعدم احتساب مادة التربية الدينية من المجموع عند الالتحاق بالكليات خوفًا من مجاملة كل صاحب دين لتابعيه ؟؟ والحل الذى أقترحه هو: أولًا : تصبح مادة التربية الدينية مادة إجبارية لكل ديانة على حدة على أن يحدد منهجها مع الالتحاق بالسنة الأولى لكل مرحلة، ويلزم الطالب بالبحث فى مقرراتها، ويمتحن فيها كمستوى رفيع إجبارى فى نهاية المرحلة، وليس العام الدراسى ويتم إضافة مازاد عن النصف إلى مجموع الدرجات. ثانيًا: أن نضيف حصة أخرى، وتكون أيضا إجبارية، وهى حصة التربية الأخلاقية والسلوك تلك الأمور التى لا تختلف فيها الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، فكل الأديان تدعو فى جوهرها إلى الحب والعدل، والتآخى، والتعاون على البر والتقوى، والصدق، والإخلاص، واتقان العمل، ومساعدة الضعيف، وطاعة الوالدين وبرهما، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى، وقتل النفس بغير حق والاعتداء على الغير، والتمييز بين الناس على أساس أجناسهم، أو عقائدهم فخير خلق الله إلى الله أتقاهم لله، وأنفعهم لإخوانه، وكل هذه الأمور من المهم أن نعلمها لأولادنا مسلمين ومسيحيين فى صغرهم حتى يشبوا؛ وقد امتلأت قلوبهم بالحب للحياة وللآخرين حتى ولو اختلفوا معهم فى العقائد وطرق التعبد لله الواحد الذى خلقهم جميعا. ولندع العقائد لدور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس وللطالب أن يسأل شيوخه فى المساجد أو آبائه فى الكنيسة فيما قررته عليه وزارة التربية فى مادة الدين كمستوى رفيع، وليقتصر التعليم فى المدارس على الأخلاق والسلوك، على أن تكون هذه المادة مادة نجاح ورسوب وتضاف درجات النجاح فيها إلى المجموع وإذا كانت المناهج موحدة بحيث يحتوى الموضوع الواحد على القصة والآية من القرآن والإنجيل والتوراة والأمثلة من حياة كل الانبياء الذين دلّنا القرآن على أسمائهم استطاع المدرس سواء كان مسلما أو مسيحيا تدريسها وتصحيح أوراق إجابتها للفصل الواحد كاملا، ولجميع التلاميذ بلا استثناء، وبدون أن نضطر إلى الفصل بين محمد وصديقه فى المقعد مايكل أو احمد وصديقه جورج. أعلم أن هذا الاقتراح صعب، ولكن بشىء من التأمل ( وبعد أن نعرف أن هناك المدارس التابعة للأزهر الشريف، والتى لن ينطبق عليها تنفيذه تقوم بتدريس الدين الإسلامى فقط فى مراحلها كما أن هناك من المدارس التابعة للكنيسة التى تدرس اللاهوت لإخوتنا المسيحيين كل ذلك جنبا إلى جنب مع مادة الأخلاق والسلوك ) سنجد أنها الوسيلة الوحيدة لتربية جيل جديد قادر على الحب والتعايش والقبول للآخر سواء فى الدين الواحد أو الأديان الأخرى. وكما ترون فالاقتراح ينادى بما يخدم عالمية الإسلام، وبإفساح المجال أمام التلميذ المسلم للاطلاع على ثقافات غيره تماما كما يطلع غيره ممن ليس على دينه على ثقافته جبرا لا اختيارا فى مادة النصوص الأدبية!!، أقول قولى هذا وأدعو كل مسلم غيور على إسلامه ووطنه وأمته إلى مناقشته موضوعيا محسنين الظن ببعضنا ناظرين إلى الله عالمين بنظره إلينا ومراقبته لنا، وأنه هو وحده تعالى العالم بما فى قلوبنا، والقادر أن يوفقنا جميعا لما فيه خير واستقرار مصرنا الحبيبة، وحتى تكون دعوتنا لأنفسنا وغيرنا إلى الله على بصيرة !!