دقات السادسة صباحا تعلن عن بداية رحلة الرزق.. إعداد 7 لترات من العرقسوس ثم الانتقال إلى ضبط "القدرة".. قطع سميكة من القماش خلف ظهر منحنى وأخرى فوق كتف منهك لحماية الجسد من وزن القدرة الثقيل تنتهى بابتسامه وخطوة بعيدا عن حدود المنزل تطلق أول دقه "صاجات" يضبط عليها سكان الشوارع ساعة لقاء "حامل قدرة العرقسوس" وتبدأ رحلة لا يعرفون متى ستنتهى.. على الجانب الآخر يبدوا المشهد مغايرا فى عربات جديدة تحمل بدلا من المشروب الواحد أربعه مشروبات، وأربع عجلات أسفلها يوفرون آلام الظهر تعقد مقارنه بعيدة بين ما نرغب أن نراه وبين سرعه زمن يطلب الأسهل وتطحن أيامه فقر البائع البسيط الذى لا يملك غير "قدرته" و"قدرة". بين أزقه الحسين مازال عم عاطف متمسكا "بقدرته" كمحرك أول لحياته يقول عنه "بقالى أربعين سنة ما أعرفش غير اللف بيها وجمبها مع أبويا من قبلى فى الشوارع ديه" يعنى ما فكرتش تشترى عربيه جديدة يا عم عاطف وتريح قلبك؟ "هى مريحة آه بس العرقسوس ما يبقاش عرق سوس لو ما دقنالوش "الجوز" –الصاجات- وأتشرب من القدرة وشوفت فرحة الناس والأطفال وأنا بصب ليهم، ويا سلام لما الأجانب يتنحوا لما يشوفوك ويجوا يتصورو معاك كأنك جزء من تاريخ البلد دى". جسد هذيل و"قدرة" منمقة تحمل على الظهر هم عنوان مجدى صاحب الثلاثة والعشرين عام بين شوارع إمبابة، يتحدث عن المهنة ويقول "دية شغلانه تهد الجبال.. حد بس يلايمنى على عربيه جديدة" يصمت ثم يسترسل "أنا أتعلمت الشغلانة من أخويا الكبير بس طبعا اللى يخلينى أبيع بدل المشروب أربعه وأوسع على نفسى يبقى أحسن، والبلد لو عايزة تحافظ على الشغلانة الحقيقية وشكل بتاع العرقسوس فى الشوارع كانت حاولت تحسن حياتنا". ضربات "جوز" متتابعة تجذب الأذن لعم عصام وابتسامته البشوش فى شوارع مصر القديمة، قدرة تشبه قدرة عم عاطف تدفعك للبحث عن أنواع هذه القدر، فيشرحها لك الرجل ولكن بعد أن يعلن عن حز حوامل القدرة فى جسده المنحنى ويقول "فى نوعين من القدرة قدرة سورى، وديه اللى بتتحمل على الضهر وبيكون فوقها حاجة شبه الشمعدان، والقدرة البلدى اللى بنشيلها على جمبنا، ودية هى القدرة المصرية". بين ورش باب الشعرية العتيقة ينزوى مقر "عم زينهم".. أحد أقدم صانعى وبائعى قدر العرقسوس فى المحروسة، توفى قبل شهور قليلة ومازال أولاده يحاربون للحفاظ على المهنة بزعامة أوسطهم "أسامة" الذى يقول: "أبويا هنا صنع أول قدرة ظهرت فى تاريخ السينما المصرية فى فيلم حلاق السيدات بتاع إسماعيل يس" ويتابع: "بقى لينا حوالى خمس سنين كل يوم فى النازل بسبب العربيات الجديدة اللى أتجه لها معظم البياعين، ودلوقتى أكثر الزباين بتوعنا هما الفنادق الكبيرة اللى بقت تستخدم القدرة بأشكال جديدة طوراناها شوية عن الشكل القديم فى قاعات الأفراح، أو حتى بتخلى عامل يمثل دور البياع فى الحفلات". ويتابع أسامة: "اللى شهر بياع العرقسوس فى مصر هما أهل قرية أسمها عنيبس فى سوهاج فى الخمسينات بدأ أبويا يطور شكل القدرة ويجملها، وهما كانوا مشهورين بمشروبات العرق سوس والتمر والسوبيا، وبدئوا يعرفوه وينزلوا يشتغلوا بالعرق سوس فى مصر ومشيت وبدأ بياع العرقسوس يملا الشوارع، بس لو فضلنا على كده هيبقى آخرنا نتفرج على بياعين العرق سوس فى الكتب واللى بيقلدوهم فى الفنادق كمان كام سنة".