الله أكبر.. الله أكبر.. لله الحمد.. لله الحمد: تكبيرات تسمعها وأنت تسير فى ميدان الأوبرا فى العتبة. تتلفت حولك فلا تجد مسجداً، وعندما تدقق وترهف السمع يصلك صوته من طرف الميدان: «أحمد السوهاجى».. بائع العرقسوس. طفلا جاء من سوهاج يمسك طرف جلباب والده صاحب أشهر «قِدرة عرقسوس» فى الزاوية الحمرا، ثلاثة أشقاء هو أصغرهم: «عندى 26 سنة.. ما اتعلمتش غير الشغلانة دى.. العصير بقى حياتنا أنا وأخواتى». «أبوالعدنان» هو لقبه، ليس نسبة إلى اسم لأحد أولاده.. بل إلى عصير المانجو الذى اشتهر ببيعه فى موسم المانجو من كل عام. وإلى أن يأتى موسم المانجو يكون العرقسوس والدوم والتمر مشروبات أساسية لدى أبوالعدنان: «أنا عارف الزبون بتاعى.. اللى ضغطه واطى بياخد عرقسوس واللى عالى باديله دوم.. لكل داء دواء». عربة العرقسوس التى يقف أمامها أبوالعدنان ليست العربة الوحيدة فى الميدان، فعلى الطرف الآخر تقف عربة أخرى مخصصة لعصير البرتقال: «دى بتاعة أخويا حسن، وأخويا التالت واقف فى محل «أبناء سوهاج للعصائر» فى الزاوية، متباهيا بتلك المهنة اللى فاتحة 3 بيوت.. التلات بيوت بتاكل فى طبق واحد وأولادنا بيتربوا مع بعض والفلوس كلها بتروح للحاج فى البلد». ف«قِدرة» العرقسوس التى حملها الوالد حين أتى من سوهاج قبل عشرين عاما استطاعت أن تعيده مرة أخرى إلى البلد، لكن بعد أن أصبح صاحب أطيان ومواشٍ. عشرون عاما مضت عليه فى القاهرة لكنها لم تجعله يخلع جلبابه ولم ينس لهجته الصعيدية: «ما ابقاش سوهاجى لو قلعت الجلابية». حال ابن السوهاجى لم يختلف عن حال أبيه، لكنه يتمنى لولده حالا آخر: «عندى ولد واحد اسمه أدهم نفسى أفرح بيه.. دكتور ولا مهندس.. أنا مش مستعر من مهنتى بس الزمن بقى غير الزمن». أحمد السوهاجى وأخوته لا يستنكفون أبدا أن يذهب «شقاهم وتعبهم» لوالدهم: «ده بر الوالدين.. وأنت ومالك لأبيك.. ويارب ابنى لما أكبر يبقى عكازى وسندى». أكواب العصير تتراص بدقة متناهية على سطح العربة.. تتلألأ تحت وهج الشمس، وإلى جوار الأكواب وقدر العصير وضع أحمد سائل تنظيف واسفنجة وفوطة: «الناس صحتها مش ناقصة.. مش هانكون إحنا والزمن عليهم».