راودتنى فكرة ساذجة تقضى باستئجار قاعة المناسبات فى جامع عمر مكرم لنحيي فيها ذكرى تأميم الصحافة، على أن نضع عند مدخل القاعة صورة حديثة للدكتور محمد مرسى العياط باعتباره أحدث المستفيدين من هذا القانون المشئوم. لقد صدر قرار التأميم فى الرابع والعشرين من مثل هذا الشهر عام ستين من القرن الماضى، وهو الحدث الذى شكل علامة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية، ولايزال رغم مرور كل تلك السنوات، مثار ارتباك فى منظومة الإعلام المصرى، بسبب تعارضه مع الحريات العامة المنصوص عليها فى ميثاق الأممالمتحدة وحق المواطن فى المعرفة والتعبير عن رأيه. وجاء التأميم باسم دلع هو «قانون تنظيم الصحافة»، وقبله كانت الصحافة ملكا لشركات تضم أفرادا من المجتمع المدنى، وبعده أصبحت ملكا لرئيس الدولة يتصرف فيها تصرف المالك فيما يملك، وهذا ما واجهت به الدكتور محمد مرسى داخل مقر الرئاسة فى مصر الجديدة، يوم وجه الدعوة لبعض الصحفيين والكتاب ليناقش معهم حرية الإعلام.. وكان من المدعوين الصديق عصام كامل رئيس تحرير «فيتو» الذى أسعده الحظ بعدم المشاركة، حيث كان يومها فى العاصمة الأمريكيةواشنطن. قلت للدكتور مرسى إن تأميم الصحافة نقل ملكيتها إلى رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر بدعوى أن ملكيتها تكون للشعب ممثلا فى الاتحاد الاشتراكى، وتحت هذا الستار الشفاف كان الرئيس يعين رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات ويصدر القرار باسم الاتحاد الاشتراكى.. وانتقلت الملكية بعد ذلك عن طريق الميراث غير الشرعى إلى أنور السادات الذى كان يعزل ويعين القائمين على تلك الصحف بقرارات يبصم عليها مجلس الشورى الذى ينتحل صفة تمثيل شعب مصر.. وتكررت المسرحية بنفس النص مع حسنى مبارك، وقلت لمرسى إننا نأمل ألا يتكرر ذلك مع رئيس جمهورية آخر.. قلت له ذلك بتفاصيله، وكان يستمع لما أقول دون أن يُظهر رد فعل، ثم علق على ما قلته بعبارة مختصرة قال فيها إنه مقيد بقانون قائم وأنه ملتزم باحترام هذا القانون وتنفيذه. وكان هذا يعنى أنه يتمسك بملكيته الشخصية للمؤسسات الصحفية المؤممة وأنه سيسير على نهج من سبقوه.. وهذا ما يراه بعض الزملاء الذين حضروا معنا هذا اللقاء ومنهم مجدى الجلاد وياسر رزق وغيرهما.. وقد اشتركنا جميعا فى صورة تذكارية مع الدكتور مرسى الذى توسطنا فى صورة لا أزال أخفيها عن زوجتى لأنها هددت بمغادرة البيت ما دامت فى بيتنا هذه الصورة. وما جرى عام ستين من القرن الماضى وما جرى منذ أسابيع فى مصر الجديدة، جعلني أفكر فى إحياء هذه الذكرى الأليمة فى جامع عمر مكرم لنترحم جميعا على حرية المؤسسات الصحفية التى انتهكت واغتصبت منذ أكثر من نصف قرن، ولا تزال تغتصب ، بمعاونة مجلس الشورى وبتسهيلات من زعمائه أهل السمع والطاعة. والجميع مدعوون لمشاركتنا العزاء..