لم يحظ نبى أو رسول من بين رسل وأنبياء الله سبحانه وتعالى بجزء مما ورد فى القرآن الكريم من أوصاف لرسولنا الكريم المصطفى صلى الله عليه وسلم. فهو الموصوف بأنه يعلو على الخلق العظيم، كما فى الآية 4 من سورة القلم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ». فلم يقل المولى مثلا «إنك لذى خلق «بل» إنك لعلى خلق عظيم» أى تعلو على الخلق العظيم. بل إن المولى سبحانه يصفه ببعضٍ من صفاته جل وعلا «الرؤوف الرحيم» كما قال سبحانه فى الآية 28 من سورة التوبة: (قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). وكان هذا الحرص النبوى للناس عامة ولأمته خاصة نابعًا من شفقته ورحمته، فمن نعم الله علينا وعلى البشرية جميعا بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال الله تعالى عنه فى الآية 107 من سورة الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). وأعظم ما فى هذه الأوصاف أن من يوصف بها هو بشر مثلنا وليس رسولا ملكا. وهذه نقطة شديدة الأهمية يركز عليها ويدلل القرآن الكريم، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما ورد فى الآية 95 من سورة الإسراء: (قُل لَّوْ كَانَ فِى الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا). وهذا المعنى هو ذاته الذى يطلب الله سبحانه وتعالى من رسوله أن يبلغه للناس كما فى الآية 110 من سورة الكهف: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). وتفسيرها: قُلْ يا محمد للكفار وغيرهم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ»، أى: لست بإله، ولا لى شركة فى الملك، ولا علم بالغيب، ولا عندى خزائن الله، «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» عبد من عباد ربى، «يُوحَى إِلَى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ» «أى: فضلت عليكم بالوحى، الذى يوحيه الله إلىّ، الذى أجله الإخبار لكم: أنما إلهكم إله واحد، أى: لا شريك له، ولا أحد يستحق من العبادة مثقال ذرة غيره، وأدعوكم إلى العمل الذى يقربكم منه، وينيلكم ثوابه، ويدفع عنكم عقابه. وفى هذا الإطار فحسب يجب أن نفهم تلك الآيات التى عاتب فيه المولى سبحانه وتعالى رسوله الكريم فى تأكيد على أنه «بشر مثلكم».. كما فى سورة «عبس» التى يشعر بعض الشيوخ على المنابر بكثير من الحرج وهم يشرحون تأويلها على رغم وضوح لهجة العتاب من الله سبحانه وتعالى لأن الله «لا يستحى من الحق» وهو جزء من الآية 53 من سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِى إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِى فَيَسْتَحْيِى مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ). وبداية فالأعمى فى هذه السورة ليس هو «الكفيف» .. فهناك فارق بين من لا يرى «وهو الكفيف» ومن لا يبصر «وهو الأعمى». فأنت قد ترى الأشياء ولا تعقلها «أى تبصرها». فيما الحيوانات مثلا ترى ما تنظر إليه لكنها لا تبصره. فيما الكفيف لا يرى لكنه يمكن أن يبصر باستخدام حواس أخرى مثل اللمس أو السمع عندما يسمع وصفا للشيء من مبصر. وهو ما يمكن تطبيقه على الفارق بين الإنصات والسمع الذى يعنى تحليل الموجة الصوتية التى تصل إليك بالإنصات فتحدد مثلا شخصية المتحدث أو طبيعته. وهو المعنى الذى يوضحه القرآن الكريم فى الآية 179 من سورة الأعراف: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). فغاية القلوب هى التعقل وغاية الأعين هى الإبصار أى التفكر والفهم والتعقل، وغاية الأذن هى السمع وليس الإنصات. وهو المعنى الواضح فى الآية 81 من سورة النمل: (وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْى عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ). فالْعُمْى هنا هم الضالون التائهون. وفى سورة «عبس» يبدو العتاب الإلهى للرسول الأعظم واضحا لا لبس فيه، وإن كان هو عتاب الناصح، والأعمى المقصود هنا ليس الكفيف، بل هو الذى لم يكن يعرف شيئا عن الرسالة وجاء إلى الرسول الأعظم باحثا عن السبيل للإيمان: «عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَآءَهُ الأَعمَى (2) وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَو يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرَى (4) أَمَّا مَنِ استَغنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسعَى (8) وَهُوَ يَخشَى (9) فَأَنتَ عَنهُ تَلَهَّى (10) كَلَّآ إِنَّهَا تَذكِرَة (11) فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ». هذه الآية تفسيرها ظاهر واضح، وسببها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا ببعض كبار قريش فى مكة قبل الهجرة؛ رجاء أن يسلموا، ويهديهم الله؛ لينتفع بهم المسلمون، وكان لديه ابن أم مكتوم، فحصل من النبى صلى الله عليه وسلم بعض الإعراض عنه مشغولًا بهؤلاء الجماعة؛ فعاتبه الله فى ذلك، والأمر واضح. وتدليلا على بشرية المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، كان هناك أكثر من عتاب للرسول الأكرم، كما فى سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِى اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)»