لماذا وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من ارتباك وتراجع بعد ثورة 25 يناير العظيمة؟ كان الناس يعتقدون أن الوضع بعد الثورة سيكون أفضل خصوصا بعد أن وثق الناس بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وتصريحاته وبياناته عن تحقيق أهداف ومطالب الثورة... لكن مرت الأيام والشهور حتى تعدت الفترة الانتقالية التى تعهد بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة (كانت 6 أشهر) ولم يحدث أى إنجاز يُذكَر فى تلك الفترة على جميع المستويات. فما زال الانفلات الأمنى قائما كأن الأمر مقصود، أن يعيش الناس فى ظل هذا الانفلات، ناهيك بالانفلات الإدارى، وما يحدث من مخالفات فى المحليات وعدم مبالاة المسؤولين والموظفين فى المحليات عن هذه المخالفات بالإضافة إلى تسيُّد البلطجة وعصابات النهب والتعدى على الناس ومصالحهم. لم يتم استرداد أى من ممتلكات الشعب التى نهبها النظام السابق وأعوانه ورجال أعماله سواء كانت فى مصانع القطاع العام (لم يعد منها سوى ثلاثة فقط وبأحكام قضائية) أو الأراضى التى استولى عليها رجال الأعمال وحصلوا عليها بتراب الفلوس ليعيدوا بيعها مرة أخرى سواء كانت أراضى أو منتجعات، ويحصلوا على الملايين.. ولعلى هنا أذكر أن أحد الوزراء الحاليين حصل على 28 ألف متر بالتخصيص من محافظ البحر الأحمر السابق اللواء سعد أبو ريدة الذى أهدى أراضى مصر للمحاسيب وأصحاب النفوذ ورجال الإعلام فى النظام السابق.. ولو تم فتح ملف هذا المحافظ -وهو كصندوق أسود- سيتم فضح الكثيرين، وكيف كان الرجل يهدر ثروات هذا البلد ويهديها إلى الفاسدين الذين يتاجرون بحق الأجيال القادمة.. لكن لم يحدث شىء حتى الآن مع أمثال هؤلاء.. كأنهم فى حماية خاصة من الذين يديرون شؤون البلاد. ورغم حل الحزب الوطنى -وقد جرى بحكم قضائى ولم يصدر بقرار من المجلس العسكرى رغم أنه كان أحد مطالب الثورة- فإنه لم يتم محاسبة أحد من قياداته الذين أفسدوا فى البلاد وزوروا إرادة الناس فى الانتخابات بتهمة الفساد السياسى.. وعلى الرغم من وعد الحكومة، وهى لا تنطق إلا بما يُشير عليها به المجلس العسكرى، بمحاكمة الفاسدين سياسيا، فإنه لم يحدث ذلك حتى الآن، رغم مرور ما يقرب من 9 أشهر.. وهم الذين دخلوا الجحور منذ قيام الثورة لنفاجأ بهم الآن يخرجون وينشئون أحزابا ويستعدون لخوض الانتخابات وفق قانون سيئ السمعة وضعه المجلس العسكرى.. كأن بين فلول الحزب الوطنى والمجلس العسكرى اتفاقا للعودة إلى تصدر المشهد السياسى من جديد! ورغم حل جهاز أمن الدولة الذى سيطر على مجريات الحياة وخصوصا فى سنوات حكم مبارك الأخيرة وعمله من خلال تنظيم سرى لتمكين الابن جمال مبارك من وراثة السلطة.. وتفويضه بالاعتقالات والتعذيب والتنصت على خلق الله جميعا من كل فئات المجتمع، بمن فيهم الكبار الذين كانوا يتعاونون مع النظام السابق.. فضلا عن تلفيق القضايا للمواطنين وإثارة الفتن بين الناس.. فإن سلوكيات وسياسات الجهاز ما زالت قائمة، وعاد «السيستم» من جديد بعد 6 أشهر من رفعه (هكذا قال ضابط كبير). كذلك عودة الإعلام الحكومى المنافق والموالس للنظام، غير الإعلاميين الكبار الذين كانوا يعملون فى بلاط النظام السابق وانقلبوا عليه نفاقا وموالسة للثورة.. تحولوا بقدرة قادر إلى الولاء والنفاق للذين يديرون شؤون البلاد واستبدلوا بنفاقهم للرئيس المخلوع مبارك، نفاقهم للمجلس العسكرى ورئيسه المشير طنطاوى. كذلك إصرار المجلس العسكرى بشكل غريب ومريب على العمل بقانون الطوارئ وعدم التزامه بما وعد به عندما تولى شؤون البلاد بأنه لن يتعدى العمل به أكثر من 6 أشهر، إلا أنه يأتى الآن ويعتمد على العمل به بقرار جمهورى للرئيس السابق المخلوع وموافقة البرلمان الذى تم حله.. كأنما لم تقُم ثورة.. وكأن المجلس العسكرى يعيد إنتاج نظام مبارك خصوصا أنه يسير على طريقة التباطؤ والتلكؤ التى كان يعتمدها الرئيس المخلوع. أضف إلى كل ذلك القوانين سيئة السمعة التى أصدرها المجلس العسكرى.. وعلى رأسها قانون الانتخابات.. وهى لا تسمن ولا تغنى من جوع الديمقراطية والحرية التى يريدها الشعب. من هنا بدأت ثقة الناس تهتز نحو المجلس العسكرى.. وبدا للناس أن المجلس العسكرى يخطط للبقاء فى السلطة.. فكان لا بد من الخروج لاسترداد الثورة.. ويستمر الناس والثوار على موقفهم من حقهم فى ثورتهم بعيدا عن ألاعيب الأحزاب التى تسعى لتحقيق أى مكاسب شخصية على حساب الثورة والشعب، وهم أنفسهم الذين كانوا يلعبون نفس اللعبة مع نظام المخلوع.. ولأنه كان يعرفهم أكثر فكان يحتويهم ويشترى بعضهم بتسهيلات مالية هنا.. وحصانة وعضوية فى البرلمان بالتعيين هناك. يا أيها الذين تديرون شؤون البلاد.. الشعب يريد ثورته.. الشعب يريد الحرية والعدالة والديمقراطية.