عاد الأنبا أنجيلوس، النائب البابوي بالولايات المتحدةالأمريكية، إلى مصر، الأسبوع الجاري، والتقى أمس، الثلاثاء بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا تواضروس الثاني، بالمقر البابوي لبحث مطالب كهنة وشعب أيبارشية شبرا الشمالية، التي كان يشرف عليها قبل انتدابه ليكون نائبا بابويا بأمريكا، وسط تكهنات بأن عودته بداية لعقد جلسات معه بخصوص ما تحدث عنه الشهر الماضي حول «الرمزية» في قصة آدم وحواء بالكتاب المقدس، إلا أن القس بولس حليم المتحدث باسم الكنيسة نفى وجود هذا الأمر. كان سجالا قد دار بين الأنبا أنجيلوس والأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس حول كلام الأول، عبر حساباتهما الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خلال فبراير الماضي حول كلام أنجيلوس في إحدى المحاضرات، مما جعل الأنبا رافائيل يرد عليه. القصة من فيديو «أنجيلوس» إلى توضيح «رافائيل» البداية كانت مقطع فيديو لجزء من محاضرة للأنبا أنجيلوس، يتحدث فيها عن أن القديس أثناسويس أشار إلى أن الجنة التي كان يعيش فيها آدم وحواء كانت رمزية، وكان أثانسيوس تلميذ أوريجانوس، وهو من مؤسسي الرمزية في تفسير الكتاب المقدس بمدرسة الإسكندرية، وقال إنها «مكان كان يعيش فيه آدم عشرة مع ربنا». وأضاف أن هناك قصصا سردية وقصصا «ميثولوجيا» وهي نوع من الأدب والأساطير ليست وهما، بل أسلوب في الكتابة يشرح معاني عميقة، لكي يفهمها الإنسان البسيط.، ولا تطعن في فحوى القصة، ولا تؤثر في عمقها، والوحي الإلهي فيه قصص سرد وتاريخ وقصص ميثولوجيا. ورد الأنبا رافائيل، في منشور على فيسبوك، قال فيه إن «التفسير الرمزي للكتاب المقدس هو قراءة نصوص العهد القديم على ضوء إيماننا بالسيد المسيح. فنرى ظلًا للمسيح في كل قصة وكل شخص وكل حدث، دون إلغاء البعد الحرفي الحقيقي التاريخي. إلا إذا كان النص نفسه يتكلم بطريقة قصصية رمزية مثل سفر نشيد الأنشاد». ثم أضاف منشورا جديدا قال خلاله إن «آدم شخصية حقيقية، وليس كما يدّعي الملحدون أنه مجرد رمز أو أسطورة، أو كما يدّعي أصحاب نظرية التطور أن الإنسان أصله قرد». ثم في اليوم التالي كتب منشورا جديدا، قال خلاله إنه «يتكلم السيد المسيح عن تاريخية وحقيقة وجود كثير من شخصيات العهد القديم تأكيدًا لوجود باقي كل شخوص وأحداث العهد القديم». وأضاف «أكتب هذا الكلام لأنه يوجد اتجاه عند بعض الكنائس الأخرى يعتبر أن الإصحاحات الأولى من سفر التكوين حتى قصة إبراهيم ليست أحداثًا تاريخية، والأشخاص المذكورون ليسوا أشخاصًا حقيقيين، بل مجرد رموز أو أسماء وهمية». ثم بعدها رد الأنبا أنجيلوس، في بيان مطول، يوضح ما يقصده خلال المحاضرة، إلا أنه تمت إزالة المنشور من على الصفحة الخاصة به على موقع فيسبوك، ولم يتبق منه غير بعض النسخ المصورة». ثم بعد ذلك أوضح الأنبا رافائيل، في منشور جديد، كيف أنه تحدث مع الأنبا أنجيلوس، وأكد تمسكه بالإيمان المسلم من الآباء، وأنه لا يقصد إطلاقًا إلغاء حقيقة وجود الفردوس ولا تاريخية شخص آدم، وأحداث سفر التكوين، وكل الكتاب المقدس، إلا الأجزاء التي لا تحتمل إلا التفسير الرمزي مثل سفر النشيد. بعدها طالب كمال زاخر، منسق التيار العلماني القبطي، مجمع أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بوقف السجال على مواقع التواصل الاجتماعي في أمور تخص العقيدة، وأن تناقش في مكانها. الصراع بين المجدددين والمحافظين ليس حديثا الأنبا أنجيلوس خلال المحاضرة والحديث عن الرمزية في الكتاب المقدس يمثل تيارًا يسعى للتجديد والتطوير داخل الكنيسة، بينما الأنبا رافائيل الذي تشدد في حرفية النص يمثل تيارًا محافظا داخل الكنيسة، وهذان التياران السجال بينهما مستمر منذ قرون داخل الكنيسة القبطية، منذ خلاف البابا ديمتريوس الكرام، مع العلامة أوريجانوس أبرز معلمي مدرسة الإسكندرية التي نشأت خلال القرون الثلاثة الأولى للمسيحية داخل الإسكندرية، واعتمدت على تراث طويل من الفلسفة اليونانية، وأسهمت في تأسيس علم اللاهوت والتفسير ومواجهة الأفكار والهرطقات التي تخرج بين الحين والآخر. ثم بعد ذلك تجدد هذا الصراع في التاريخ المعاصر بين الأب متى المسكين، الذي يمثل امتدادا لأوريجانوس ومدرسة التفسير الرمزي، والبابا شنودة الثالث الذي بدأ ثوريا، وهو شاب علماني ومال للجانب المحافظ بعد جلوسه على كرسي القديس مرقس. وأخيرا بين الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط والأنبا أغاثون مطران مغاغة والعدوة، فالأنبا بفنوتيوس -أحد الأصوات المجددة نادى بالإصلاح الكنسي في نهاية عهد البابا شنودة- أصدر في ديسمبر 2016 كتابا بعنوان «المرأة والتناول»، يرفض فيه منع النساء من «التناول من الأسرار المقدسة في فترة الدورة الشهرية»، وهي نفس الدعوة التي أطلقها الأب متى المسكين عام 2000، وكان يرى أن فكرة المنع من ممارسة الأسرار أثناء تلك الفترة أو بعد الولادة، «عادة يهودية لا تمت للمسيحية بصلة». لكن الصوت المتشدد ظهر سريعا من خلال رد الأنبا أغاثون على كتاب بفنوتيوس بدراسة وصف فيها كتاب «أخيه في الخدمة» -أي الأنبا بفنوتيوس- ب«البدعة»، وهو «اتهام خطير لا تطلقه الكنيسة عبر تاريخها على أي شخص إلا بعد مراجعته، وعقد مجمع لمناقشة أفكاره»، وبالفعل اعترض البابا تواضروس وقتها على هذا الوصف. ثم ظهر الأنبا أغاثون مجددا خلال زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس الأول، في نهاية أبريل الماضي لمصر، حين أصدر بيانا يرفض فيه اتفاق «نسعى جاهدين لعدم إعادة سر المعمودية» بين كنيستي الإسكندريةوروما ووقعه البابوان تواضروس وفرانسيس، ووصف معمودية الكاثوليك بأنها «غير قانونية وغير صحيحة وباطلة». ورغم أن البيان بين كنيستي روماوالإسكندرية، كان النص فيه «قررنا عدم إعادة سر المعمودية» إلا أن ضغوط الأساقفة المتشددين داخل المجمع المقدس وأنصارهم على مواقع التواصل الاجتماعي غيرت إلى هذا النص الذي أمسك العصا من المنتصف أيضا وأصبحت «نسعى جاهدين لعدم إعادة سر المعمودية»، وبعدما نشر موقع راديو الفاتيكان البيان بالعبارة القديمة، تفهمت كنيسة روما الضغوط التي تعرض لها البابا تواضروس وعدلت النص. الأنبا أغاثون يقوم حاليا بدور الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس السابق، رجل الكنيسة الأقوى في عهد البابا الراحل شنودة الثالث، الذي اشتهر بمحاضرات «تبسيط الإيمان الأرثوذكسي»، ومواجهته لأفكار الطوائف الأخرى. صراع المثقف والسلطة ويصف كمال زاخر الصراع بين المجددين والمحافظين داخل الكنيسة بأنه صراع بين «المثقف والسلطة»، وأوضح أن السبب فيه الانقطاع المعرفي الذي مرت به الكنيسة عقب الانشقاق في مجمع خلقدونية، والتحول من اللغة اليونانية، وهي اللغة التي كتب بها آباء الكنيسة الأوائل والتحول للغة القبطية، ثم اللغة العربية فيما بعد، والاعتماد على الترجمة من لغات وسيطة مثل الإنجليزية. صراع المثقف والسلطة ظهر في الخلاف بين أوريجانوس الأستاذ بمردسة الإسكندرية والبابا ديمتريوس، ثم مجددا بين الأب متى المسكين والبابا شنودة الثالث. أين يقف البابا تواضروس؟ يبدو البابا تواضروس من عدة مواقف أنه مع التيار المجدد، فهو سعى للتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية، وبدأت الكنيستان دراسات اعتراف كل كنيسة بمعودية الأخرى، وكان سيحدث هذا في زيارة باباب الفاتيكان لولا رد الفعل العنيف لتيار متشدد سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو من بعض أساقفة الكنيسة عبر بيان الأنبا أغاثون، الذي وصف معمودية الكنيسة الكاثوليكية بغير القانونية فتأجل توقيع الاتفاق. في سمينار المجمع المقدس الأخير في نوفمبر 2017 ناقش الأساقفة فكرة الاعتراف بالمعمودية إلا أن التيار المتشدد رفض أيضا، وحين أصدر الأنبا بفنوتيوس كتابه الخاص بالمرأة رفض وصف الأنبا أغاثون لكلام الأنبا بفنوتيوس بكونه هرطقة. جدير بالذكر أن الأنبا أنجيلوس هو واحد من رسامات البابا تواضروس الحديثة، وتم تنصيبه أسقفا عاما لإيبارشية شمال شبرا، قبل أن ينتدبه ليكون نائبا بابويا في أمريكا، ثم عودته مجددا بعد مطالب كهنة شبرا بعودته لهم مجددا.