قبل ساعات من جمعة 8 يوليو، التي كان من ضمن أهم أهدافها تطهير الشرطة، وبينما الثوار يستعدون لافتراش الميدان، كانت قنوات «مودرن» نموذجا يدرس للثورة المضادة وشغل الفلول، كانت الصيحات تأتي من فوق شاشات «مودرن» هادرة.. الكابتن مصطفى يونس يصرخ بأعلى صوت: اقطع رقبتهم يا وزير الداخلية. عقيد الشرطة الذي أصيب في مصادمات الألتراس وعساكر الأمن المركزي يقول: ضربونا بأكياس المية يا افندم (وكما نعرف جميعا رش المية عداوة) فاضطرينا نتعامل.. وضيوف شلبوكة يرجونه: إحنا كمواطنين مصريين بنترجاك تستخدم الشدة. كابتن أحمد شوبير يقدم لمدير الأمن على الهواء أحدث نظريات المعالجة الأمنية، قائلا: اضرب المربوط يخاف السايب. مجدي عبد الغني يهاجم بضراوة مجموعة من الصبية والأطفال لا يتجاوز عمرهم الرابعة عشرة، ولا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص استفزوا الداخلية بكل تشكيلاتها ومعداتها ورجالها بأكياس الماء والشتائم، فانهارت أعصاب الداخلية وطاردتهم، حتى أسقطت منهم أكثر من ستين مصابا.. مجدي عبد الغني يصرخ: إحنا عايشين فين؟ لازم الناس دي تتربى.. واللي يغلط تنقطع رقبته. كابتن شوبير يغني وأستاذنا الكبير فتحي سند لا يمانع في أن يردد خلفه على مقاطع من المواجهات قائلين: هيه دي الحرية اللي عايزنها؟ قنوات وليد دعبس الذي خصص برامجه للاحتفال بعودة مبارك من ألمانيا، في احتفال نظمه ولعب فيه دور «النبطشية» (النبطشي هي مهنة ماجد الكدواني في فيلم «الفرح»).. عواجيز «مودرن» المتصابون الذين أفنوا عمرهم المهني في التهليل لعلاء وجمال مبارك، كابتن مدحت شلبي ما زال يقول حتى هذه اللحظة «أحداث 25 يناير».. كابتن مدحت شلبي الذي قال قبل الثورة إن الناس اللي نزلت الميدان لا تمثله ولا تعبر عنه، كابتن شلبوكة الذي أشعل النار بيننا وبين الجزائر وطلب مخرجه من المعلق كابتن أيمن أن يدي الثوار والثورة كلمتين تهزيء على هامش ماتش الزمالك والإفريقي، ففعل الكابتن أيمن. كابتن شلبوكة الآن يجيد ضرب الثورة من تحت لتحت، وكله بالأدب والاحترام، وحضرتك رجل محترم وعايزين نعمل حوار شيك ومافيش أجمل من كده، بالأمس تفنن شلبوكة في عرض مشاهد الأطفال التي ترمي الأمن المركزي بأكياس الماء، وأرجوك عيد يا نصر وهات يا نصر اللقطة دي تاني ونصر بكل ما في أدائه المهني من سذاجة يعيد اللقطات بالتصوير البطيء ويتجنب لقطات الألتراس الذين يمنعون هؤلاء الأطفال بضراوة. قنوات «مودرن» تلعب على أوتار الأمية والجهل ومعظم المتعصبين الكرويين في البلد ضحايا لهذه البرامج، والألتراس الذين تهاجمونهم مرة وتنافقونهم مرة أشرف كثيرا من هواة صبغة الشعر وارتداء النظارات الشمسية ليلا، ونقطة دم واحدة ذرفها فرد ألتراس في مواجهات يناير أشرف كثيرا من مذيع نصب على الاتحاد الإفريقي في إحدى البطولات في كام مية دولار، أو مذيع كان رجل شرطة، ثم تخصص في برامج الفنانات والراقصات، ثم أصبح مذيعا رياضيا لا تمنعه السذاجة من أن يلقي على المشاهدين نكتا تخدش الحياء. احترام الشرطة والعمل على مساعدتها في استعادة هيبتها وتطهير صفوفها مطلب وطني لا خلاف عليه، ونبحث جميعا عن سبل لتنفيذه، ربما أخطأ بعض الصبية المشجعين، لكن رد فعل الداخلية في الملعب كان مبالغا فيه بشدة، رد فعل فضح أسطورة ضبط النفس التي يتحدث عنها قادة الداخلية، فإذا كانت الشرطة تنهار سريعا أمام بعض الصبية الذين يقذفونها بأكياس الماء، فكيف العمل إذا كانت الاستفزازات أكبر قليلا؟