تصاعدت وتيرة الأعمال الارهابية في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري (2015) سواء المتمثلة في أعمال إرهابية ضد بنية الدولة باستهداف مرافق عامة (كهرباء - خطوط غاز - وسائل مواصلات)، بجانب ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية من قبل (ولاية سيناء) ضد قوات الجيش في سيناء خلال شهري مارس وإبريل من العام الجاري (2015). وهو ما يستدعي وقفة حقيقية للتحليل والتفكير الذي يساعد على المواجهة الصحيحة، والاستفادة من تجارب الدول في وضع آليات مواجهة الإرهاب، والتي أخذت أشكالًا وأنماطًا متطورة عما كان عليه في السابق، في الوقت الذي تصر الدولة المصرية على مواجهة الإرهاب الذي يمتلك أدوات وقدرات مستحدثة، بأدوات ومسارات مواجهة التسعينيات، وهذا هو سبب رئيسي من أسباب تفوق التنظيمات الإرهابية في مصر في نوعية العمليات التي تقوم بها. فالحديث عن مواجهة التنظيمات الإرهابية في الداخل المصري بانعزال عن فهم البيئة الإقليمية من حيث التشابك التنظيمي والفكري لتلك الجماعات الإرهابية هو خطأ في آليات المواجهة وتحديد مسرح العمليات الأهم، وهو ما يطرح تساؤلًا هل مسرح العمليات في سيناء أهم من ليبيا؟ في اعتقاد الكاتب أن خطر التنظيمات المسلحة يقع في الغرب. وبالنظر لخريطة العمليات الإرهابية في عامي 2014-2015 الصادر عن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، نجد أن العام الجاري أخذت العمليات الإرهابية أنماط وخصائص مختلفة عما كانت عليه في العام الجاري من حيث دقة العمليات الإرهابية والمستهدف من العمليات وارتفاع نسبة سقوط ضحايا وهذا ما سيتضح فيما يلي: يُمثل الشكلان (6) و(7) مقارنة بين تطور أعمال العنف المسلح منذ الأول من يناير 2015 وفقًا للشهور، وتطور أعمال العنف المسلح في الفترة ذاتها خلال العام السابق 2014. ويُلاحظ وجود ارتفاع عدد العمليات للشهر ذاته خلال عام 2015 عن نظيره خلال العام السابق 2014، فقد شهد شهر يناير 2015 بلوغ عدد العمليات 124، بينما بلغت 14 فقط خلال يناير 2014، وفي فبراير 2015 بلغ عدد العمليات 105 في الوقت الذي بلغت فيه 8 خلال فبراير 2014، واستمر النهج ذاته في مارس، حيث وصل عدد العمليات 105، بينما كانت 37 في الشهر ذاته عام 2014، ويتكرر الأمر نفسه في أبريل ب72 عملية في 2015، و39 في أبريل 2014، في الوقت الذي بلغ فيه عدد العمليات 63 في مايو 2015 بدلا من 29 في مايو 2014، علاوةً على تكراره في شهر يوليو 2015 الذي بلغ فيه عدد العمليات 41 عملية بدلا من 25 فقط في يوليو 2014. وفي أغسطس 2014 بلغ عدد العمليات 53 بدلا من 41 في أغسطس 2015، وأيضًا في سبتمبر وصل عدد العمليات 17 عملية إرهابية خلال سبتمبر 2014 مقابل 12 عملية فقط في شهر سبتمبر 2015. كما يلاحظ أيضًا حدوث انخفاض شديد في عدد العمليات بنهاية شهر سبتمبر 2015؛ حيث بلغت 12 عملية فقط، وهو الشهر الأقل من حيث عدد العمليات خلال عام 2015، والثاني بعد شهر فبراير 2014 الذي كان عدد العمليات به 8 عمليات فقط. بينما يُعتبر شهر مارس 2015 هو الأعلى من حيث عدد العمليات على مستوى العامين. يُمثل الشكل رقم (8): توزيع نسب أعمال العنف المسلح المنفذة إلى الأعمال التي تم إبطالها في الفترة من أول يناير 2015 وحتى أول أكتوبر من عام 2015، وقد مثلت نسبة أعمال العنف الواقعة 70,28% تقريبًا، بينما مثلت نسبة الأعمال المبطلة ما يقرب من 29,72%. وتعتبر نسبة الأعمال الواقعة في تراجع عن الفترة الماضية وهذا يرجع لاستخدام وسائل تكنولوجية حديثة في إبطال المفرقعات؛ حيث كانت نسبة الأعمال المبطلة خلال عام 2014 تمثل ما نسبته 25% تقريبًا، بينما وقعت 75% من أعمال العنف المسلح. ومن خلال النظرة العامة لما جاء بالمؤشر يمكن استخلاص النتائج التالية: يُعد الربع الأول من عام 2015 الأكثر عرضة ووقوعًا لأعمال العنف المسلح شهريًّا، لا سيما شهري يناير ب124 ومارس ب125 عملية (انظر الشكل رقم 2)، بينما حل شهر سبتمبر أقل الأشهر في أعمال العنف المسلح، حيث لم يشهد سوى 12 عملية فقط، وهو ما يُشير إلى وجود حالة من الانخفاض التدريجي في معدل العمليات، علمًا بأنه لم يمر شهرٌ خاليًا من عمليات العنف المسلح طوال الأشهر التالية ل30 يونيو 2013 حتى أول أكتوبر 2015، كما أن ضحايا الشرطة هم الأكثر بين من سقطوا جراء أعمال العنف المسلح. انتشرت أعمال العنف المسلح في كل محافظات الجمهورية تقريبًا، حيث شهدت 26 محافظة عمليات عنف مسلح (انظر الشكل رقم 1)، وهو ما يعني أن العمليات غطت مساحة ما يزيد على مليون كم، حيث إن بعثرة تلك العمليات جعلت مسألة التعامل معها من قبل الأجهزة من الصعب بمكان، وحمَّلت أجهزة الأمن مجهودًا أكبر. يُضاف إلى ذلك وجود تنوع كبير في الأهداف التي تم استهدافها لتشمل خطوط الغاز، والبنية التحية، خاصةً أبراج الكهرباء والضغط العالي التي كانت الأكثر استهدافًا من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة خلال الفترة من بين الأول من يناير 2015 وحتى أول أكتوبر 2015، فضلا عن حدوث تطور كبير وهو استهداف شخصيات ومسؤولين كبار في الدولة، على غرار حادث استهداف ومقتل النائب العام من خلال استهداف موكبه بسيارة مفخخة. ولعل تلك العملية كان لها أثر كبير. يلاحظ حدوث اختفاء شبه تام لعمليات العنف الطائفي، أو تلك التي على أساس ديني، فعلى الرغم من وجودها بشكل مكثف منذ 30 وحتى منتصف العام المنصرم 2014، فإنها لم توجد بشكل نهائي منذ أول يناير 2015 وحتى أول أكتوبر 2015، وهو ما يشير إلى أن إثارة الفتنة الطائفية كان أحد التكتيكات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية، لكن مع عدم جدواها توقفت تلك التنظيمات عن الاعتماد عليها. استمرت محافظتا القاهرةوالجيزة في مقدمة محافظات الجمهورية التي تعرّضت لعمليات العنف المسلح خلال الفترة منذ الأول من يناير 2015 وحتى أول 2015، حيث جاءت القاهرة في المقدمة ب91 عملية، بما يُوازي 15,15%، ثم الجيزة في المرتبة الثانية ب84 عملية بما يقرب من 13,97%، وهو ما يُعد استمرارًا لما كان واقعًا في الفترة الماضية منذ 30 يونيو، وهو ما يمكن إرجاعه إلى كونها المحافظات الأكثر ازدحامًا، وبالتالي فإن قدرة التنظيمات على التخفي وتنفيذ العمليات فيها أكبر، فضلا عن الرسالة السياسية التي تسعى التنظيمات الإرهابية لتوصيلها بأنها قادرة على استهداف العمق المصري وخاصة العاصمة. جاءت سيناء بنسبة 12,98% تقريبًا من مجمل أحداث العنف بالمحافظات (انظر الشكل رقم 4)، وبتحليل العمليات الواقعة في سيناء، يُمكن استخلاص عدة أمور؛ أولها: أنها قد شهدت معظم نوعيات الإرهاب، واستهداف رجال الشرطة والجيش بإطلاق نار، وتفجيرات خطوط الغاز، وتفجيرات متنوعة بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة، وإطلاق صواريخ آر بي جي.. إلخ، وثانيها: أنه على الرغم من إحراز الجيش المصري تقدمًا على الأرض في مواجهة الإرهاب -خاصة بعد عملية "حق الشهيد"- فإن تلك العمليات تعكس شراسة الحرب الدائرة في سيناء ضد الجيش المصري، وثالثها: انتشار عدة جماعات تبنت هذه العمليات، لكلٍّ منها احترافية في نوعية معينة من الأعمال المسلحة، وتمركزت في أماكن معينة: رفح، العريش، الشيخ زويد، طابا، شمال سيناء، جنوبسيناء، مما قد يسهل متابعة منفذيها الذين يمثلون أيضًا جنسيات مختلفة. وفي المجمل، كانت تلك أهم الملحوظات: انخفاض منحنى العنف: بعد أن كان اتجاه أعمال العنف المسلح يميل نحو التزايد والارتفاع بشكل عام في بداية العام الجاري 2015 بنحو 124 عملية، فإن العنف المسلح ما لبث أن مال نحو الانخفاض من جديد بنهاية سبتمبر ليصل إلى 12 عملية فقط. استحدثت نوعيات جديدة من العنف في عام 2015، لم تكن موجودة من قبل، لا سيما الاستهداف بالقذائف سواء الهاون للمنازل والأسواق، أو الآر بي جي للمعدات العسكرية، مما يحمل في طياته دلالات أهمها أن التنظيمات الإرهابية أصبحت على استعداد لتطوير أساليب هجومها أكثر من السبل التقليدية، كما أنه يقدم جرس إنذار للقوات الأمنية بأن تكون مستعدة للمواجهات الأكثر عنفًا، والتي يُمكن أن توقع نسبة أكبر من الضحايا. تزايد معدلات الاستهداف بالاعتماد على العبوات الناسفة والهيكلية، وذلك منذ بداية عام 2015، وذلك لكونها الأسهل في عمليات الزرع، مما يعطي فرصة أكبر لهرب واضعيها، كما أنها سهلة الحمل والتداول، والتصنيع أيضًا. وأخيرًا، يمكن القول إن انتشار الإرهاب في مصر ليس أمرًا غريبًا في ظل البيئة الإقليمية الحاضنة للإرهاب وانتشار تنظيم "داعش" في الإقليم، ولمكافحة تنامي نفوذ الجماعات والميليشيات المسلحة والعناصر الإرهابية، يستلزم خطة واضحة ذات أهداف محددة لمواجهة تنفيذ أي عمليات إرهابية خاصة، وهذا هو مكمن الضعف عند السلطة الحاكمة غياب الرؤية الشاملة لمكافحة الإرهاب.