لايمكن لمصر اتخاذ خطوة بصدد ارتفاع وارداتها بشكل متنامي وارتفاع عجز ميزان المدفوعات الذي سجل 52.7 % إبريل الماضي، سواء بحظر استيراد أي سلعة بشكل نهائي، أو منع الاستيراد من دولة معينة خشية تداعيات ذلك على عمليات التبادل التجاري، أو التعرض للمساءلة القانونية من قبل منظمة التجارة العالمية. "لا يجوز لأي دولة موقعة على اتفاق الجات والذي تم تعديله فيما بعد بجولة مراكش عام 1995 بحظر واردات أي دولة أخرى عضو في الاتفاق، أو واردات سلعة معينة من أي من هذه الدول، ومن يخالف هذه القوانين فإن الدولة المتضررة لها حق مقاضاتها وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية"، بحسب مصدر بالإدارة المركزية لمنظمة التجارة العالمية – وزارة التجارة والصناعة. وتعاني مصر من عجز مزمن بميزانها التجاري والذي سجل خلال إبريل الماضي 24.60 مليار جنيه، مقابل 16.11 مليار جنيه (2.13 مليار دولار)، ما يعادل زيادة سنوية بنسبة 52.7%، نتيجة زيادة الواردات بنسبة 15.67% لتسجل قيمتها 38.60 مليار جنيه بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، واقتصاديًا كلما ارتفعت نسبة العجز في ميزان المدفوعات تراجعت الثقة في الاقتصاد. ويوجد مبالغات كبيرة في حجم الاستيراد المصري من الخارج، وخاصة استيراد المواد الغذائية، وكما تستورد مصر كل شيء تقريبًا من الصين، بما في ذلك الذرة وسجادات الصلاة، مشيرًا إلى وصول العجز النقدي المصري لدى الصين إلى 10 مليار دولار، بحسب تصريحات تلفزيونية سابقة لمحافظ البنك المركزي المصري هشام رامز. ويلقي ارتفاع الواردات بتداعياته السلبية على قطاع الصناعة، ما يضغط على الإنتاجية و معدلات التصدير التي تراجعت بواقع 22% خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الجاري، فضلاً عن الضغط على العملة الأجنبية وبشكل خاص مع شح المعروض منها بالسوق المصري. ويرى محافظ البنك المركزي، أن هناك ضرورة لتداول الجنيه المصري في كافة التعاملات المالية داخل مصر، وعدم الاعتماد على الدولار، نظرًا لما يسببه ذلك من ارتفاع في قيمة العملات الأجنبية. واتخذ المركزي المصري – الجهة المقررة للسياسة النقدية في مصر – منذ أول العام الجاري عدد من الإجراءات لضمان زيادة المعروض من النقد الأجنبي بالسوق المصري، حيث قرر تحديد سقف الإيداعات الدولارية للأفراد والشركات بواقع 10 آلاف دولار يوميًا، بحد أقصى 50 ألف دولار شهريًا، كما تم خفض الجنيه مقابل الدولار بواقع 20 قرش في خطوة يقول الخبراء إنها تهدف لجذب مزيد من التدفقات الدولارية للسوق. ويقول رئيس الإدارة المركزية لمنظمة التجارة العالمية – وزارة التجارة والصناعة، أشرف مختار ل "التحرير"، إنه يمكن اللجوء لقواعد منظمة التجارة العالمية للتغلب على عدم إمكانية وقف الاستيراد بشكل نهائي من أي دولة بتطبيق المواصفات الفنية المصرية على الواردات، وفرض رسوم إغراق على الواردات المبالغ فيها، وذلك بما يحقق أهدافنا بتحجيم عمليات التصدير. ويرى مختار أن نسبة كبيرة من الواردات المصرية سلع وسيطة – سلع غير تامة الصنع تدخل في صناعة سلع أخرى، ومواد خام، وأجهزة ومعدات إنتاج . واستحوذت السلع الوسيطة على 40.3٪ من إجمالي الواردات المصرية، بزيادة نسبتها 7.3٪، لتصل قيمتها إلى 183.96 مليار جنيه خلال العام المالي 2013 – 2014، فيما كان نصيب واردات المواد الخام 10.7% من إجمالي الواردات بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء . "وتعجز مصر أيضًا عن وقف واردات أي دولة ترتبط معها باتفاقيات ثنائية، كما في اتفاق مراكش" بحسب مختار ويرى الدكتور إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعاوم الإدارية أن منع واردات أي سلعة، أو حظر الاستيراد من أي دولة بشكل نهائي أمر "مستحيل" في ضوء اتفاق الجات، المعدل بجولة مراكش تسعينات القرن الماضي، مشيرًا إلى وجود بعض الحيل التي ربما تخض معدلات الاستيراد وإن كان بشكل غير دائم، كرفع الرسوم الجمركية بنسب كبيرة، وفرض رسوم إغراق، وذلك لفترات محددة وغير دائمة، ما يتطلب ضرورة التركيز على زيادة معدلات الصادرات لتخفيف الضغط على الميزان التجاري. ويؤكد "الدسوقي" أن اتخاذ مصر قرارًا بوقف الاستيراد من أي دولة، أو وقف واردات سلعة معينة بشكل نهائي يعرضها للمساءلة من قبل منظمة التجارة العالمية. وحاولت مصر الحد من زيادة الواردات من خلال إصدار قانون لتفضيل المنتج المحلي في المشتريات الحكومية والذي يلزم الجهات الحكومية باستيفاء احتياجاتها من المنتجين المحليين شرط ألا تزيد نسبة المكون المحلي في السلعة المصنعةعن 40 %. ويرى أستاذ الاقتصاد أن هذا القانون ضد الوضع الاقتصادي السليم، لأنه يفرض على الجهات الحكومية شراء السلع المحلية حتى وإن كانت هذه السلع بسعر أعلى وجودة أقل، فضلًا عن أنه ضد مبادئ منظمة التجارة العالمية، وأنه يمثل عائقًا لمناخ المنافسة، مشيرًا إلى أن خفض الواردات يفرض على الحكومة تحسين أوضاع الصناعة، ومنح حوافز للمصنعين لزيادة معدلات الإنتاج والتصدير، وفتح المنافسة، دون حظرها على السوق المحلي فقط . في الوقت نفسه نفسه يرى المستوردون إنهم لا يضرون الاقتصاد في شئ خاصة مع "عدم وجود صناعة محلية"، بحسب أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية . وأوضح "شيحة" أن قانون تفضيل المنتج المحلي تم إقرار بضغط مما وصفهم ب"مافيا الصناعة بهدف احتكار السوق والبيع بالأسعار التي يرغبونها". وأضاف "أن المستوردون ضحية السياسة النقدية الخاطئة للحكومة، وفشل المجموعة الاقتصادية"، وأن السلع التي يتم استيرادها للوفاء بالسوق المحلي فقط.