استقالة أم إقالة؟ ذلك هو سؤال اليوم عقب قيام وضاح خنفر رئيس شبكة «الجزيرة»، بتقديم استقالته من منصبه. خنفر سرب الخبر أولا عبر حسابه الشخصى على موقع «تويتر»، ثم قدمها إلى مالكى الفضائية القطرية الإخبارية المثيرة للجدل منذ إطلاقها عام 1996. استقالة خنفر -الذى عمل لسنوات مراسلا ل«الجزيرة» فى جنوب إفريقيا والهند وأفغانستان والعراق ومنها إلى رئاسة القناة- حملت تقديرا واضحا لنظام الحكم القطرى، دون أن ينسى الإشارة إلى الاتهامات التى تلقتها الفضائية من الإدارة الأمريكية فى وقت سابق بأنها «كاذبة وشريرة» على لسان وزير دفاعها السابق ثم الإشادة الأخيرة من هيلارى كلينتون بأنها تقدم «أخبار الحقيقة».
أمريكا إذن لم تكن غائبة عن المشهد الدرامى اليوم فى «الجزيرة»، خصوصا أن الاستقالة جاءت بعد 10 أيام فقط من تسريبات حديثة من «ويكيليكس» سجلت لقاء فى أكتوبر عام 2005 بين خنفر ومسؤول الشؤون العامة فى المخابرات العسكرية بالسفارة الأمريكية بالدوحة.
مصادر داخل الفضائية الإخبارية كشفت ل«التحرير» أن هذه ليست المرة الأولى التى يتعرض فيها خنفر لقرار ب«الإقالة»، وأنه تعرض لذلك مرتين على الأقل طوال السنوات الثمانى التى ترأس فيها شبكة «الجزيرة» بسبب «التحفظ على طريقة إدارته للفضائية البعيدة عن المهنية والمعتمدة بالأساس على العلاقات الشخصية والانتماء الأيديولوجى المقرب من التيار الإسلامى» على حد قول المصدر، الذى ألمح إلى ما تردد عن انتماء خنفر -المولود فى فلسطين عام 1968- إلى الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن خنفر استعان بعلاقته مع عدد من الرموز الدينية الكبرى التى لها احترام لافت مثل الدكتور يوسف القرضاوى لإنقاذه من الإقالة فى المرات السابقة لكن «ذلك لم يعد يصلح الآن» على حد قول المصدر، الذى قال إن التقاليد داخل «الجزيرة» هى التى دفعت إلى إظهار الأمر باعتباره استقالة لا إقالة.
القصة لم تنته تفاصيلها بعد، إذ عقب إبعاد خنفر تم فى نفس الخطوة تعيين عبد الله عيسى نائبا لمدير «الجزيرة مباشر» بجميع صلاحيات أيمن جاب الله مديرها الحالى وهو المصرى الوحيد الذى كان يتولى منصبا قياديا فى شبكة «الجزيرة»، وكان مقرباً من خنفر والإخوان في وقت واحد، الأمر الذى يعنى أن هناك تغييرا جذريا فى طبيعة المنهج الإعلامى ل«الجزيرة» فى الفترة القادمة، ويزيد ذلك موقف «الجزيرة مباشر-مصر» التى تم وقف بثها من مصر قبل أيام، تعقيدا وربما ينغلق أمامها باب البث مرة أخرى، إبعاد خنفر عن «الجزيرة» يأتى بعد الدور الذى قامت به الفضائية الإخبارية فى تغطية الثورات العربية فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وهو دور اختلط فيه الأداء الإعلامى المهنى بالتوجه السياسى لمالكى القناة ومن خلفه-وربما من أمامه- العلاقات الاستراتيجية التى تربطهم بالقيادة الأمريكية الحالية وتعاطى الأخيرة مع «الربيع العربى» والدور الذى أخذه التيار الإسلامى عقب نجاحه فى مصر وتونس، الأمر الذى قد يعطى ملمحا لتعامل أمريكا مع فرص صعود التيار الإسلامى فى دول ما بعد الثورات العربية.