منذ شاهدت سعاد حسنى بالتليفزيون فى الصغر صرت ممسوسا بها، ثم أصبحت زبونا دائما لدور العرض التى تعرض أفلامها، كنت على أعتاب المرحلة الإعدادية عندما بدأت بمشاهدة فيلم «غروب وشروق» فى سينما بارك بميدان السكاكينى، ثم شاهدت «الحب الضائع» بسينما ريالتو بالظاهر، وفيلم «الخوف» بسينما هوليود بشارع الجيش، وبعده جاء فيلم «زوزو» الذى انتظرته كثيرا حتى انتهى عرضه من سينما أوبرا، وجاء يتهادى إلى سينمات الدرجة الثالثة، حيث شاهدته بسينما سهير فى العباسية، وفى نفس الوقت عرض لها فيلم آخر سيئ الحظ، لا أظن أن كثيرين سمعوا به وهو فيلم «غرباء» من إخراج سعد عرفة، ولقد أحببت هذا الفيلم إلى جانب «على من نطلق الرصاص» أكثر من غيرهما، رغم أنهما لم يكونا الأكثر شهرة. عندما ظهرت إعلانات فيلم «أميرة حبى أنا»، وملأت أفيشاته الشوارع، شعرت بتوتر مصدره عدم القدرة على الانتظار لمدة سنة كاملة، حتى ينتهى عرضه من سينما الدرجة الأولى، ثم يهبط إلينا فى سينما الأحياء، ووجدت نفسى أقوم بالادخار من المصروف حتى جمعت قيمة التذكرة، وتوجهت إلى سينما راديو التى كانت تعرض الفيلم. وقفت بالطابور ودفعت ستة عشر قرشا ونصف ثمن التذكرة، بالصدفة لمحت جمعة زميلى بالمدرسة يقف بالممر الذى تقع به السينما فى انتظار الدخول مثلى، وقفت معه نتحدث ريثما يقومون بتجهيز صالة العرض، ولاحظنا أن تجارة السوق السوداء قد نشطت بعد إغلاق شباك التذاكر، مر بجوارنا شاب يهتف طلبا لشراء تذكرتين من أى أحد يرغب فى بيع تذاكره، وجّهته نحو سماسرة التذاكر الموجودين بالمكان، فأخبرنى أن مخزونهم قد نفد، وأنه يريد تذكرتين بأى ثمن له ولخطيبته، هنا فوجئت بزميلى جمعة ينبرى عارضا بيع تذكرته بربع جنيه، وافق الشاب على الفور وطلب شراء تذكرة أخرى، قال لى جمعة: هات تذكرتك بسرعة، قلت له: لا يا حبيبى أنا لن أبيع تذكرتى.. لقد جئت لمشاهدة الفيلم لا للربح فى التذكرة، أمسكنى جمعة من ذراعى وأخذنى جانبا، وقال: يا أخى هذه فرصة.. لنبع التذاكر ونحقق ربحا، ونأتى لمشاهدة الفيلم غدا، ومعنا ثمن العشاء أيضا. ترددت فى البداية ثم بدأت ألمح معقولية الفكرة فمنحته التذكرة. فى الطريق أخذ جمعة يجمع ويطرح ويضرب ليصل إلى أن هؤلاء الذين يبيعون التذاكر على باب السينما يحققون مكاسب خيالية، أمّنت على كلامه فقال: إذا فعلنا مثلهم نستطيع أن ندخل السينما بالمجان، كما يمكننا أن نشترى كل الألغاز وروايات أرسين لوبين وأجاثا كريستى، قلت: هل تقصد أن نتاجر فى التذاكر مثل هؤلاء؟ قال: ومالهم هؤلاء؟ إنهم يحققون ربحا حلالا من تجارة مشروعة!.. ثم سرح جمعة بخياله قبل أن يقول بحسرة: ولكن مشروعا كهذا يحتاج إلى رأسمال، قلت: طبعا.. مشروع كهذا يحتاج على الأقل إلى خمسين قرشا! قال جمعة: لا.. إننا يجب أن نبدأ على كبير، ورأس المال ينبغى أن لا يقل عن جنيهين، لعب كلام جمعة برأسى، وتخيلت أننى سأستطيع النزول لسور الأزبكية، لأغترف من الكتب المعروضة على الرصيف بغير حدود، غير سندوتشات الشاورمة التى سنشتريها من أكسلسيور قبل أن ندخل السينما كل يوم ببلاش! فى اليوم التالى التقينا على باب السينما مبكرا، وقمت بتسليمه جنيها كاملا، حصلت عليه من سلفيات أخذتها بضمان المشروع، ووضع هو مثله واشترينا 12 تذكرة. بعد إغلاق الشباك نزل جمعة بكل ثقله، واندمج فى الزحام يعرض البضاعة، وإن هى إلا لحظات حتى انقض عليه مجموعة من الشبيحة الذين يحتكرون السوق، فأشبعوه ضربا وانتزعوا منه التذاكر، لكنه تملص منهم وفر هاربا. رغم الصدمة والترويع أخذت أقزقز اللب، وأتظاهر بمطالعة الأفيش، ثم مشيت بهدوء، وابتعدت عن المكان خشية أن يدركوا أننى شريك جمعة فى البضاعة! أما الفيلم فقد شاهدته بعد ستة أشهر فى سينما ريالتو.