أنهى المجلس التأسيسي في تونس الموافقة على أغلب فصول دستور البلاد الجديد، لكن الجدل حول تجريم المساس بالمقدسات وتجريم التكفير عطل الوصول لنقطة النهاية في الدستور، ما يؤكد استمرار الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين حول دور الدين في مهد الربيع العربي. وأنهى نواب التأسيسي المصادقة فعلا على أغلب الفصول في دستور تونس الجديد ومن بينها المساواة بين الرجل والمرأة، إضافة إلى استبعاد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في تونس. ولكن الفصل السادس من الدستور الذي نص سابقًا على تجريم التكفير أصبح مثار احتجاج الإسلاميين الذين يطالبون بتعديله رغم الموافقة عليه سابقا. وقال نواب من حركة النهضة الاسلامية التي اعلنت خروجها من الحكومة بعد اتفاق مع المعارضة انه يتعين اضافة معنى تجريم المساس بالمقدسات الدينية وتخفيف معنى تجريم التكفير وتغييره إلى معنى اقل حدة وهو ما رفضته المعارضة التي تقول ان دعوات التكفير التي اطلقها متشددون اسلاميون دفعت إلى قتل معارضين علمانيين بارزين هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي العام الماضي. ويظهر هذا الاختلاف الحاد استمرار الانقسام بين الشق العلماني والاسلامي حول دور الدين في المجتمع الذي اصبح مسالة بالغة الحساسية منذ الانتفاضة التي اطاحت بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قبل ثلاث سنوات. وفي العام الماضي، قتل معارضان علمانيان بالرصاص. واتهمت الحكومة تنظيم أنصار الشريعة بالوقوف وراء الاغتيالين. وأعلن تنظيم أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيا وأطلقت حملة لملاحقة عناصره. وقال المنجي الرحوي القيادي بالجبهة الشعبية المعارضة إنه يتعين إعلان حركة النهضة منظمة إرهابية إذا تراجعت عن فصل تجريم التكفير الذي تم اقراره. ومن المقرر ان تنتهي يوم الجمعة مهلة صياغة الدستور وفقا لخارطة الطريق التي التزمت بها الاحزاب السياسية في حوار اشرف عليه اتحاد الشغل ذو التأثير القوي نهاية الأسبوع الحالي. كما سيعلن رئيس الوزراء المكلف مهدي جمعة تشكيل حكومته نهاية هذا الأسبوع على أقصى تقدير. ويخشى بعض النواب في التأسيسي أن يدفع الخلاف حول هذا الفصل إلى عدم موافقة ثلثي أعضاء التأسيسي البالغ عددهم 217 على الدستور بأكمله مما يطرح إمكانية اللجوء لاستفتاء شعبي وهو ما يهدد بنسف خارطة الطريق برمتها وتراجع النهضة عن التصويت للحكومة في التأسيسي. وقال الحبيب خضر المقرر العام للدستور والقيادي بحركة النهضة: "نأمل في الوصول لاتفاق حول بعض النقاط الخلافية أبرزها الفصل السادس وعلى الجميع إظهار النوايا الطيبة حتى لا نكون مضطرين لاستفتاء قد يهدر وقتًا ثمينًا رغم أنه آلية ديمقراطية". وتواجه النهضة التي قادت البلاد منذ فوزها في انتخابات جرت في أكتوبر 2011 ضغوطا من أنصارها بعدم الرضوخ لمطالب المعارضة بإقرار فصول تتضمن تجريم التكفير وضغوطًا أخرى من منظمات حقوقية ودول غربية لإثبات أنها حركة مدنية وبأن تتخلى عن فصول تثير مخاوف معارضيها، خصوصًا بعد اغتيال متشددين إسلاميين معارضين العام الماضي. وقد يعيد سيناريو اللجوء لاستفتاء البلاد خطوات للوراء ويزيد من تعطيل الانتقال الديمقراطي بعد ان وصف ساسة في تونس والخارج الخطوات التي تمت حتى الان بانها جيدة وبانها مثال لدول المنطقة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون هذا الأسبوع أن اقتراب تونس من انتهاء صياغة دستور توافقي هو نموذج يتعين أن تنظر إليه دول المنطقة. وانتخب المجلس التأسيسي ايضا هيئة للأشراف على انتخابات هذا العام.