رغم التاريخ الطويل لعلاقة مصر بمؤسسات الإقراض الدولى منذ تأسيسها وحتى الآن، إلا أن الفن المصرى لم يتناول هذه العلاقة إلا مرات قليلة أهمها أغنية حكاية شعب لعبدالحليم حافظ التى تناولت رفض البنك الدولى تمويل السد العالى.. واقتصر التعبير عن قبول أو رفض الاقتراض من هذه المؤسسات بالأساس على مقالات الرأى والبرامج التليفزيونية. «الشروق» حاورت ياسر المناوهلى صاحب أغنية «صندوقه».. أول أغنية تتناول قضية الاقتراض من المؤسسات الدولية، التى تجاوز عدد مشاهديها على اليوتيوب مائة وعشرين ألفا خلال أول أسبوع من عرضها، بالإضافة للعديد من القنوات التى قامت بإذاعتها.
«صندوق النقد يا صندوقه.. سمه فى الشهد مين هايدوقه».. هكذا يبدأ ياسر المناوهلى أغنيته الساخرة «صندوقه»، التى اعتبر أنه لا يعبر بها عن «رفضه الشخصى للاقتراض من صندوق النقد الدولى ولكن عن رفض الملايين من المصريين»، وهذا هو ما شجعه على تقديمها.
السبب الرئيسى لرفضه القرض هو «الضرر المعنوى.. يكفى شعورنا بأننا تابعون ومديونون، هذا بجانب الأضرار الاقتصادية والاجتماعية لأن سياسات التقشف التى يفرضها الصندوق تزيد الفجوة بين الطبقات، وتضعف المجتمع»، يقول صاحب الأغنية، التى ألفها ولحنها ووزعها بنفسه.
«هناك أحد التعليقات التى جاءتنى على الفيديو تقول إن صندوق النقد بيساعد الدول الفقيرة، ويكفينى حزنا إنى أصنف كبلد فقيرة ومديونة ومحتاجة للمساعدة»، بحسب تعبير المناوهلى، مضيفا «هناك مقطع فى الأغنية يقول الحرة بتاكل من إيه؟ ونترك الرد للجمهور».
المناوهلى يقول إنه «استغرق بعض الوقت فى قراءة تجارب بعض الدول التى اقترضت من صندوق النقد ومنها تجربة مصر فى التسعينيات والآثار السلبية التى وقعت على هذه الدول نتيجة الاتفاق مع الصندوق». لذا يجب على الحكومة تبرير الاقتراض ومناقشة الخبراء المعارضين له «أنا رأى يحتمل الخطأ، وعلمى محدود، لكن عليها تبرير قرض الصندوق للخبراء المعارضين للقرار، وسنؤيد الاقتراض إذا اقتنعنا لأنها فى النهاية مصلحة بلدنا».
وأشار المطرب الشاب، الذى يرتدى عدسات طبية غامقة تشبهه بسيد مكاوى، إلى أنه كانت هناك نهاية أخرى للأغنية، وهى «مين ده إلى يهتف ويهلل وبلده مش حرة... يا تلغى يا تعلل يا الثورة مستمرة»، ولكننا فضلنا تعديلها حتى لا يظهر أننا نهاجم صاحب القرار بل ننتقد الفكرة، وقررنا الانتقال من الجد للسخرية مرة أخرى، لتكون النهاية «مين إللى قالك مين؟ إن البلد دى عمرها كانت عاجزة... ياما شبعت أمم وكانت هى الخابزة... يا مقلب التاريخ قوله عن ريح كرامة بتأسرنا... يجوع الجدع ولا ينحنى... برفع هامته بيغتنى».
وحاول المناوهلى مع فريق العمل أن يشرحوا فى الأغنية الآثار السيئة لتمويل الصندوق «مخرجة الفيديو بسمة زعزوع صورت أوضاعنا الحالية بقطع المياه والبوتاجاز والكهرباء عن المروحة، وفى النهاية تعود المياه لتغرق البيت ويعود البوتاجاز ليحرق الأكل وتعود الكهرباء للمروحة لتطير الفلوس، وهذا يعنى أننا نقر إننا محتاجين ولكن اللجوء لصندوق النقد لتلبية احتياجاتنا ربما يدمر كل شىء».
ولم يفضل المناوهلى أن تتناول أغنيته مسألة هل القرض ربا أم لا «لأن العديد من الشيوخ أفتوا فى هذا الموضوع.. أنا لا أتحدث عن الحرام والحلال، ولا أفتى، إنما أتناول القرض من الجانب الاجتماعى، والآثار السلبية لسياسات صندوق النقد»، مشيرا إلى أنه كان يتمنى ألا تتهرب العديد من الدول العربية من مساعدة مصر فى أزمتها «أقوم بتحضير أغنية اسمها الواجب ما بيتشحتش من أجل هذه الدول التى تقرض صندوق النقد نفسه، وأشعر بالاستياء عندما أسمع خطابهم المتعالى».
ويرى المطرب الشاب أن السبب فى الاحتجاجات العمالية التى تجتاح مصر هى عدم وضوح الحكومة فى الخطوات التى تتخذها «ربما يكونوا على الطريق الصحيح، ولكن كيف يعرف الناس؟». واعتبر أنه على الحكومة إشراك الشعب فى قراراتها وإلا ستستمر الإضرابات «التجاهل واستغباء الشعب لم يعد له مكان فى هذا البلد، والرد الطبيعى على التجاهل هو الإضراب»، مضيفا «اشركنا وارسم سياسة واضحة، وسنبيع هدومنا ونعيش بكرامة وقول الشعب قليل الأصل لو لم يؤيدك».
«ولكن فى النهاية الإضرابات عبارة عن مشاكل داخلية سيتم حلها إن آجلا أو عاجلا، لكن مشكلة القرض أنه يدخل العالم الخارجى كطرف فى الموضوع».
وطالب المناوهلى الرئيس مرسى وحكومته بأن يردوا على منتقدى الاقتراض ويقنعوا الشعب بوجهة نظرهم حتى يؤيدوه، وأن يهتم بإيجاد خط اتصال مع كل من يريد المشاركة فى صنع مستقبل هذا البلد، حتى نستطيع المشاركة فى تنمية بلادنا، «أتمنى أن يتم مناقشة قرض الصندوق بشكل أفضل، وهذا هو غرضى من الغناء فى القضايا العامة».
«سأستمر فى تقديم الأغانى التى تهتم بالشأن العام وسأقوم بتقديم أغنيتين قريبا أولهما عن مسح الجرافيتى والثانية عن خناقات النخبة المصرية حول قضايا لا تهم الشارع المصرى، لا أنتظر شيئا من الأحزاب القديمة ولو فيها خير كان الناس شعرت به، مستقبل مصر فى الشباب».