●● عندما وصل الفاتح العظيم، والقائد الحربي الفذ، سنوسرت الثالث، أحد فراعنة الأسرة الثانية عشرة، الى حدود مصر الجنوبية، حيث أتم حملته الثالثة التي ثبت بها حدود مصر عند الجنوب، أقام نصبة تذكاريا عند نقطة اسمها «أورونارتي» قال فيه: ( أنه ملك إذا قال فعل.. ينفذ إرادته بقوة يمينه.. يا من يفوق سهمه دون أن يشد وتر القوس.. مذهب الوهن من رعيته، جاعل الناس ينامون في أمان.. ما أعظم سيد وطنه فهو السد الذي يمنع النهر من ثورة فيضه.. ما أعظم سيد وطنه فهو الملاذ الذي لا يهتز.. ما أعظم سيد وطنه فهو بيت الله لن يدرك اللاجيء إليه عدو.. ما أعظم سيد وطنه فهو ركن الدفء والجفاف أيام الشتاء ما أعظم سيد وطنه فهو الجبل الذي يمنع العواصف يوم تثور السماء ).. ثم قال : "إن السكوت على المهاجمة يقوى قلب العدو وإن في الهجوم شجاعة، وفي التقهقر جبنا ومذلة.. وأن الذي يرتد عن حدوده خلو من صفات الرجال" وقالوا فيه: انه شغوف بالفتح، شديد الحرص على ما يفتح، لا تكاد رغبة تضطرم بين جوانحه حتى يعمل على تحقيقها، وكيف أنه لا يلين لعدو إلا ما بدأ بمهاجمته، فهو لا يسكت على أذى، ولا يقعد عن مهاجمة من هاجمه، ولا يحجم عن مهادنة من هادنه.. ●● في مثل هذا التوقيت من كل عام... كنت أذهب إلى مدينة "القرين" بمحافظة الشرقية لألتقي المرحوم الحاج محمد العباسي" في موسم جني البلح، وكان الرجل وقتها على مشارف السبعين عاما.. ورغم ذلك لم يتوقف على فلاحة أرضه.. كان يرفع جلبابه ويربطه حول وسطه، قبل أن ينشغل بالتنظيف بالفأس حول أشجار النخيل الخاصة به التي أمضى أكثر من 40 عاما يرعاها.. قبل أن يبدأ في تسلق إحدى النخلات بخفة يحسد عليها، ليهز بعض أسباطها ليسقط البلح في مشنة كانت على الأرض.. ثم يهبط و يجمعها في كيس كبير و يقدمها لي.. كمثل عادته معي في هذا التوقيت من كل عام عندما أزوره.. أحاول جر شكله بالحديث و إخراج ما في قلبه و عقله.. عن ما جرى في ذلك اليوم العظيم.. سألته : ماذا كان شعورك في اللحظة التي وطنت فيها بقدميك أرض سيناء بعد غيبة ست سنوات؟! - ينظر لي فجأة وألمح عينيه تلمع بشكل حاد.. قبل أن يقول لي بسرعة : أخذت أهلل .. الله أكبر .. الله أكبر .. ثم إنحنيت أقبل هذه الأرض العزيزة ... أقبل أرضنا .. وبعدها رفعت مدفعي الرشاش فى يدى، واندفعت لأكمل المهمة التي كلفت بتنفيذها.. قبل أن يعاود سريعا شغل نفسه بجمع البلح.. فيقول لي في شوية بلح رطب حلوين علشان خاطر بنتك شهد.. فأكتفي بتقبيل جبينه.. وأقول له كل سنة وإنت طيب يا حاج محمد.. قصدي يا.. (جندي مقاتل / محمد محمد عبدالسلام العباسي ).. أول من رفع علم مصر في الساعات الأولى للعبور العظيم في السادس من أكتوبر 1973 كان ذلك في تمام الساعة 3 عصرا و38 دقيقة بالضبط عندما وصلت برقية لاسلكية عاجلة إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.. من المقدم ناجي قائد إحدى كتائب سلاح المشاة، المتمركزة على شاطئ قناة السويس في مدينة الإسماعيلية.. كان نصها : ( سيطرنا على الهدف و رفعنا العلم ).. في التو و اللحظة هتف كل من في المقر في صيحة واحدة : "الله أكبر ..الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر".. ●● شأنه شأن "النقيب مجند جميل بنايوتي" قائد احدى الوحدات المتقدمة في خطوط القتال بسلاح المدرعات التابع للجيش الثالث الميداني.. وكان ( يصوم ) بشكل كامل رغم إنه لم يكن مجبرا على ذلك ليكون القدوة لبقيية زملائه من الضباط والعساكر، وفي نفس الوقت نجح في زيادة معدل الاستفادة من "التعيين" من 4 أيام الى 8 أيام.. وبعد أن أكمل خدمته كضابط مجند، انتقل للعمل المدني كمحاسب في جامعة عين شمس.. ثم تفرغ لخدمة الاهالي في ( حي شبرا ).. ويقيم مأدبة إفطار دائمة للمحتاجين في شارع "يلبغا" بجوار "شيكولاني".. زارعا للمحبة ونموذجا للعمل الاجتماعي وخدمة الاهالي بشكل خالص.. ●● وكذلك فعل "الملازم اول "احتياطي" حسن عبدالحميد المراسي".. أحد مقاتلي الفرقة "117" التي نفذت مع الفرقة "الرابعة" مجموعة "جيب النيران" يوم 8 أكتوبر لمواجهة القوات الإسرائيلية الاي كانت تريد قطع "طريق الإسماعيلية - بورسعيد" على مصر.. المجموعة التي دمرت "73 دبابة" إسرائيلية والأهم أسرت "العقيد - كولونيل - الإسرائيلي عساف ياجوري.. قائد كتيبة النسق الأول فى اللواء 190 مدرع الإسرائيلي.. انهى خدمته العسكرية وعاد ليعلم الأجيال الجديدة بنفس روح المقاتل العظيم.. استاذي الذي علمني كيف أمسك الكتاب - أي كتاب - بعد الأستاذ محمد أبو النجا ديوان وكيف أقرأ وكيف أبحث عن المعلومة في غياهب "الفيافي" و"الأمصار" - كما كان يحلوا له أن يقول لي ذلك -.. وكيف أكتب وكيف اعانني على التعبير عما في صدري، وكيف علمني الجرأة واختيار الزمن المناسب للحديث وعلمني انه اذا كان الكلام من فضة فالسكوت عن "الترهات" و"الهرج" و"المرج" يبلغ قيمة الذهب.. بل إنه علمني كيف يكون التوجيه الاجتماعي بحكم كونه موجها اجتماعيا.. والأهم أنه علمني أنه يجب أن اقرأ لعدوي، فقراءة العدو أساسية في فهم ما يخططه لنا، وبالتالي في رسم خطواتنا لمواجهته.. أي انه يجب ان اقرا الكتب والإستراتيجيات التي يضعها "العدو" حول مصر والعالم العربي بل وكذلك روايات وقصص كتبها أدبائهم وقصاصيهم.. كان هذا هو شعور كل واحد من جنودنا الابطال العظام أثناء عملية عبور قناة السويس.. وتحطيم (( بارليف )) .... وتحطمت مع تلاحق انتصارات قواتنا المسلحة الاسطورة التي روجتها الدعايات الصهيونية حول جيش اسرائيل الذي لا يقهر وبدأت عملية الزحف المقدس لتحرير أرض سيناء.. انجزوا مهمة تطهير الأرض من العدو وعادوا جميعا إلى كل قطعة من مصر يعيدون بنائها من جديد وباخلاص.. لا يتحدثون عما فعلوه من انتصار يل انشغلوا بمعارك تعمير قلب الأرض وانارة روح الإنسان المصري ●● هل عرفتم الآن أننا لم "ننتصر".. بل بأيدينا حققنا ما هو أكبر من "الإنتصار"، أعدنا الحياة من جديد وكما ينبغي أن تكون، وأعدنا "الموازين" التي تقوم عليها الدنيا إلى وضعها الحقيقي، وسنقولها من جديد ولن نمل من القول.. (ومن يفعلها مرة يفعلها كل مرة )!!.. ●● وهنا فقط نذكر قولا حكيما لاحد قادة الجيش الفرعوني، أحد أجداد هؤلاء الذين حاربوا عدو مصر ، اسرائيل.. يقول أحمس إبن أبانا: "إن ذكرى الانسان الذي يقوم بأعمال البطولة لن تمحى من هذه الأرض"...