حذر مجموعة من المسرحيين من احتمال أن يشهد عام 2011 بداية النهاية للمسرح الخاص بعد أن تقلصت أعداد المسرحيات الخاصة خلال العام الماضى ولم تزد على أصابع اليد الواحدة، وفى المقابل يقلل آخرون من حجم المشكلة ويعربون عن ثقتهم فى قدرة المسرح الخاص على النهوض والتماسك فوق خشبته، رافعين مقولة «المسرح الخاص يمرض ولا يموت». الفنان أحمد بدير، الذى كانت له تجربتان فى القطاع الخاص عام 2010، من بين المستبعدين لاحتمال اختفاء المسرح الخاص نهائيا، وقال إن الساحة قد تشهد عرض عمل أو اثنين لا أكثر من ذلك، خصوصا أن القطاع الخاص يمر بأزمة شديدة. ويتناول بدير عناصر الأزمة قائلا: أولها الحالة الاقتصادية التى يعانيها الجميع فضلا عن أزمة الزحام الشديد الذى يحيط بكل مسارح القاهرة والذى يؤدى إلى اختناق تلك المسارح وصعوبة الوصول إليها فى كل أوقات اليوم فضلا عن الغلاء فى أسعار تذكره الخاص التى لا يمكن أن تكون أقل مما هى عليه حتى تحقق عائدا ماديا مناسبا للمنتج. وأشار بدير إلى أن إنتاج عرض مسرحى خاص مغامرة غير محمودة العواقب، مشيرا إلى أنه قدم العام الماضى تجربتين فى القطاع الخاص هما «مرسى عايز كرسى» و«داير شنو» التى تعاون فيها مع فريق مسرحى من السودان وقد حققا نجاحا مرضيا له كفنان وللجهة التى أنتجته. ولفت إلى أن مسرح القطاع العام هو الذى يشهد فى السنوات الأخيرة انتعاشا قليلا بسبب أسعار تذاكره التى تكاد تكون رمزية وفى متناول الجميع. المنتج أحمد الإبيارى ألقى بطوق النجاة للمسرح الخاص حينما أكد أنه لايزال موجودا ولن يتلاشى أبدا تحت أى ظرف مبررا رأيه بأن حالة المسرح لا تخضع لمقاييس بعينها فهى أشبه بحالة الطقس المتقلبة التى لا تستمر طوال أيام العام كما أن التكهن عن حالة المسرح الخاص فى الأعوام المقبلة لن يكون منطقيا لأنه فى علم الغيب. وفى ذلك السياق يقول الإبيارى هنالك شروط معينة لا بد أن نضعها فى الحسبان عندما نفكر فى عمل مسرحى خاص أولها وجود النجوم المفضلة لدى الجمهور ليراهم وجها لوجه لأنه لن يتسنى له ذلك إلا من خلال المسرح، وثانى هذه الشروط أن يكون المنتج متفرغا تماما للعمل بحيث يكون مشروعه الوحيد كى يستطيع أن يقوده إلى بر الأمان موفرا له الدعاية التى تعمل على إيصاله للجماهير بشكل لائق، وثالث هذه الشروط وأهمها أن يكون العمل قيما وهادفا مع ضرورة وجود البسمة التى تجذب الجمهور لمشاهدة العرض أكثر من مرة لتخرجه من همومه الحياتية التى زادت منها المسلسلات وبرامج التوك شو التى لونت الحياة باللون الأسود. المخرج سمير العصفورى ضحك فور سماعه كلمة مسرح القطاع الخاص ضحكة ممزوجة بالألم والحسرة قائلا: إذا أردنا أن نبحث عنه فسوف نجده فى صفحة الوفيات أو المفقودين لأننا نفتقد ذلك المصطلح تماما ولم يبق لدينا سوى بطالة مستديمة ومسارح مغلقة أوشكت أن تتحول إلى مخازن ومحال تجارية. وأضاف: إذا تذكرنا كم المسارح التى أغلقت نعلم أن تلك الصناعة فى طريقها إلى الزوال نهائيا مثل مسرح سينما الأوبرا الذى ألبس كساء من الخشب ومسرح قصر النيل ومسرح مينوش الذى أزيل بحجة أنه يحجب رؤية النيل لمن خلفه وهو الذى قدمت عليه منذ سنوات مسرحية «حزمنى يا». ويضيف العصفورى خوض المنتجين لتلك التجربة أصبح مستحيلا لتكلفته العالية فضلا عن أن نجوم الخاص الذين ظهروا فى السنوات الماضية مثل هنيدى والسقا وهانى رمزى انصرفوا إلى السينما وأصبح من الصعب أن يعودوا إليه لأنه افتقد جاذبيته لهم. كما أن توقف الفنان عادل إمام مؤخرا زاد من حزنى لأنه يمثل آخر أنفاس الخاص متجسدة فى فرقة الفنانين المتحدين حيث المنتج عصام إمام الذى اختفى إلى جانب الكثير من المنتجين مثل عماد الباشا وغيره. لذلك أصبحت الأمور معقدة تماما باستثناء تجارب محمد صبحى وجلال الشرقاوى وأحمد الإبيارى فقط. بينما يرى الناقد المسرحى د. أحمد سخسوخ أن المسرح الخاص يلفظ أنفاسه الأخيرة مبررا رأيه بأن الخاص يقدم موضوعات لا تهم المجتمع المصرى أو العربى بشكل عام ولا تعالج همومه أو تدغدغ أحلامه فهى موضوعات تكتفى بمغازلة النصف الأسفل من الإنسان. وفى حديثه عن تاريخ المسرح الخاص يقول سخسوخ منذ منتصف القرن التاسع عشر كان يعتمد على الرؤية الجديدة والفكرة المبتكرة خاصة فى تجارب يعقوب صنوع من مصر وأحمد القبانى من سوريا ومارون النقاش من لبنان ابتداء من عام 1935 الذى شهد ظهور الفرقة القومية حتى عام 1967 حيث النكسة التى كانت سببا فى ازدهار الخاص بحجة إدخال البسمة على وجوه المهمومين من الشعب المصرى. وفى بداية السبعينيات توجه المسرح إلى الاقتصاد الحر ولجأ إلى الاهتمام بالمكسب المادى من خلال تقديم الأساطير التى لا تمس المجتمع، وقد استمر التدهور من تلك اللحظة حتى وصلنا فى يومنا الحالى إلى مسرح السائحين الذى لا يعتاده صيفا أو شتاء سوى القادمين من الدول العربية. واستطرد قائلا: بعد ظهور الفضائيات والقنوات الإباحية التى أتاحت لمرتادى المسرح الخاص أن يروا العرى الذى ينشدونه بكثافة فى بيوتهم انفض الجمهور عن المسرح الخاص والعام. وواصل سخسوخ أنه لا يمكن أن نغفل كذلك مدى المعاناة التى يواجهها منتجو الخاص والتى تتجسد فى مغالاة النجوم فى أجورهم فضلا عن أسعار الإعلانات الباهظة التى تزيد من أعبائهم بالإضافة إلى تكلفة الاستعراضات التى لابد أن تتواجد فى تلك المسرحيات لذلك أضحى الخاص لا ينتج غير عروض تعد على أصابع اليد الواحدة مثل مسرح عادل إمام الذى لا يعمل سوى يوم أو يومين فى الأسبوع. وعاد سخسوخ ليشيد بالتجربة المثمرة التى يقدمها الفنان محمد صبحى بالتعاون من اتحاد الإذاعة والتليفزيون وهى إنتاج 6 مسرحيات فى آن واحد وهو بذلك يكون قد تغلب على مشكلة الإنتاج التى تقف حائلا دون وجود الخاص. وكذلك مسرح المخرج جلال الشرقاوى الخاص الذى يتسم بالجدية والمصداقية واحترام المشاهد فى كل عروضه. وتبقى فى النهاية سوء الحالة الاقتصادية التى يعانيها المجتمع سببا رئيسيا فى انهيار المسرح ففى مدينة مثل «فيينا» عاصمة النمسا يضاء طوال العام أكثر من 400 مسرح فى حين أن عدد سكانها لا يتجاوز 2 مليون نسمة، وما يقارب خمسين مسرحا فى قرى أوروبا التى يسكنها خمسين ألفا أى بواقع مسرح لكل ألف شخص بينما القاهرة التى يزيد سكانها على 20 مليونا ليس بها من المسارح ما يتجاوز أصابع اليد الواحدة.