ربما قد يجد «ألبان»، الفرنسى العشرينى المقيم فى القاهرة منذ ثلاث سنوات نوعا من الإثارة فى فوضى الشارع المصرى. وهو يعتقد أن هذه الفوضى هى السبب الرئيسى لحيوية المدينة الدائمة، ويفتقدها فى باريس أحيانا. سمة العشوائية لدى عبور الشارع هو أول ما لفت نظره فى عامه الأول بالقاهرة. فعندما قرأ فى رواية فرنسية للكاتب المصرى الأصل ألبير قصيرى عن مهنة «عابر الطريق» لم يخطر بباله يوما أنه قد يحتاجها للتنقل فى شوارع المدينة، فعبوره للشارع هو التحدى، الأهم الذى يواجهه كأجنبى قرر الإقامة فى مصر لبعض الوقت. ويقول ألبان دى مينوفيل: «يختلف الوضع من السائح الزائر إلى الأجنبى المقيم. فالأول ينزعج كثيرا من عشوائية الشارع خاصة أنه قادم بهدف التنزه واكتشاف بلد جديد، فيشعر بالصدمة لأنه لا يعرف كيف يفك شفرة المكان، لكن الوضع يختلف بالنسبة للمقيمين فهم لابد، وأن يصلوا لصيغة للتعايش مع معطيات الواقع». كشف تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن المتوسط السنوى لعدد الحوادث فى مصر بلغ 21 ألفا. وأشار التقرير نفسه إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين 35 دولة على مستوى العالم، بالنسبة لعدد الوفيات نتيجة حوادث الطرق، لافتا إلى أن الإحصائيات سجلت 156 حالة وفاة لكل 100 ألف مركبة، فى الوقت الذى سجلت سويسرا صاحبة المركز الأخير فى الدراسة 8 وفيات فقط لكل 100 ألف. كما كشفت مناقشات مجلس الشورى نقلا عن موقع «إخوان أون لاين» أن قتلى المرور تتراوح أعمارهم ما بين 22 و30 عاما. الأمر الذى دفع عددا من الدول الغربية لإصدار تحذيرات لمواطنيها بعدم السفر إلى مصر بسبب تزايد حوادث الطرق خاصة أن 50% من السائقين لا يعرفون قواعد المرور، وهم يعدون السبب الأساسى فى هذه الحوادث. لم تعد «أفيال الغابة» أى أتوبيسات النقل العام كما يصفها ألبان تقلقه، كما ألف الحركات البهلوانية «لقرود الميكروباص». فقد أعتاد، على حد تعبيره، أن يفعل مثل أهل كايرو! «فى فرنسا تعودنا أن يتجمع المشاة فى نقطة مشتركة حتى يتمكنوا من العبور بشكل جماعى، أما هنا فالوضع مختلف، المشاة هنا ماهرون فى عبور الشارع فى أى مكان ومن أى مكان، كما أن استخدام آلة التنبيه له دلالات مختلفة. ففى العام الأول كنت أظن أن الناس تستخدمه كى توبخنى كما هو الحال عندنا ولم أكن أعلم فى الواقع فى تلك الأيام ما هو الخطأ الذى اقترفه. مع الوقت بدأت أدرك أن استخدام آلة التنبيه هو شىء بحكم العادة وليس أكثر، فلم أعد أشغل بالى بالبحث عن الخطأ المزعوم». كان ألبان يشعر فى عامه الأول بالقاهرة أنه مقبل على معركة يومية، وهو ذاهب لأى مشوار فى شارع رمسيس وأن عليه مصارعة شلال السيارات المنهمر من فوق كوبرى 6 أكتوبر أو شارع ماسبيرو، حيث لا توجد إشارات مرورية تقى من بطش السيارات». الموقف اختلف تماما فى الوقت الحالى، إذ تعلم فنون السيرك، فعبور الشارع فن وله أصول، على حد قوله. «لابد أن تكون واثقا من نفسك ومدركا بالضبط لأوضاع جسدك وعلى دراية تامة بكل خطوة تخطوها خاصة أنه لا مجال للتراجع فى الشارع المصرى. فأنا قد أمضى مترا ثم أقف لأترك السيارات تمر من خلفى ومن أمامى، فأكون هكذا بين صفين من السيارات، أنتظر قليلا ولا أنزعج من أن يكون جسم السيارات على مقربة منى، ثم أبدأ فى الخطوة الثانية لأعبر صفا آخر من السيارات، وقد تلكمنى المرآة الجانبية لعربة ما، لكن لا بأس لأنها سوف تنثنى ببساطة.. لا وقت لهذه الصغائر»، وهكذا يكرر الوصفة فيما يسميه بحركات متتالية لعبور الشارع. شاهد ..فنون السيرك فى عبور المرور from ShoroukNews.com on Vimeo.