مشكلة عادية بين مواطن بالمعاش مع سائق ميكروباص فى شارع رئيسى بالمهندسين، انتهت بقرار من سائق الميكروباص بإنهاء حياة الموظف.. أمر السائق التباع الذى يعمل معه بدهس الموظف، فنفذ الأمر بمنتهى البساطة، ثم خرجا من مسرح الجريمة وكأن شيئا لم يحدث وبغض النظر عن أن شخصا قد قتل، وبغض النظر عن القانون، وبغض النظر عمن يطبقون القانون. والقانون فى مصر لاقيمة له لأنه لايحترم، ولاينفذ.. والحكومة نفسها تتلاعب بالمواد والنصوص القانونية حسب هواها، فإذا احتاجت مصلحتها أن تفرض مواد قانونية معينة، فرضتها عن طريق مجلس الشعب الملاكى مهما كان ضارا بالمواطن.. كما أن الحكومة تعطى لنفسها الحق فى تطبيق القانون وقتما تشاء.. فمنذ أسابيع مثلا، أضرب سائقو النقل العام عن العمل احتجاجا على المخالفات المحررة ضدهم، فقامت الحكومة ممثلة فى محافظة القاهرة بالتفاوض معهم ووعدتهم بإعادة النظر فى الأمر.. ولاأدرى كيف؟ فالقانون لايكون قانونا إلا بالحسم فى تنفيذه، ولايجب أن يكون لأحد الحق فى تعطيله حتى لو كان رئيس الجمهورية نفسه.. وكلنا يعلم الطريقة التى يقود بها معظم سائقى أوتوبيسات النقل العام، فكيف يكون الحال إذا أعفاهم مسؤول من دفع المخالفات القانونية.. وإذا كان هذا هو حال القانون عند الحكومة، فهل ينتظر أن يلتزم المواطن به؟ وسمعة مصر فى الخارج أنها أصبحت بلدا بلا قانون.. وأن كل فرد ينزع لأخذ حقه بذراعه.. وقد شاهدت بعينى رأسى منذ أسابيع قليلة بحى المعادى خناقة بين شاب من إحدى دول جنوب شرق آسيا يستقل سيارة تحمل لوحات معدنية هيئة سياسية ومجموعة من شباب مصريين بسبب أحقية المرور، وفوجئت بالشخص الأجنبى يستل "شومة" من أسفل مقعده، وهاجم بها الشباب المصريين وسط ذهول المارة.. وهذا التصرف الغريب من شاب ينتمى لدولة أجنبية فى مصر يعنى أنه كان مستعدا لمواجهة مثل هذا الموقف، وأن هناك من لقنه بذلك أو أنه استفاد بخبرته فى التعامل داخل مصر، ووصل إلى نتيجة أن الحق فى مصر يؤخذ عنوة.. وهذا صحيح نسبيا للأسف.. فلو أن لك مظلمة ما تستطيع أن تحرر محضرا فى قسم الشرطة، ولكن الأمر ينتهى عند هذا الحد فقط، ولايكون التحرك حاسما وسريعا إلا فى حالات جرائم القتل أو جرائم الرأى العام.. ولو أن شابا أرعن هشم لك سيارتك دون ذنب من جانبك، يقول لك المحيطون حاول تتفاهم معه، لأنك لو حررت محضرا وسلكت طريق القانون سينتهى الأمر بغرامة لاتزيد على 50 جنيها فقط، مهما كانت التلفيات التى أصابتك. والحوادث التى تكشف ضعف القانون فى مصر كثيرة، وكلها تؤكد فقدان هيبة الدولة.. فاحترام القانون وقوته وقدرته على حفظ الحقوق أول وأهم مايحقق هيبة الدولة، وفقدان هذه العوامل يعنى فقدان هذه الهيبة.. فعندما تسافر للخارج تجد نفسك مضطرا وسعيدا فى نفس الوقت بعبور الشوارع من أماكن عبور المشاة، وغير متضرر لانتظار فتح الإشارة الضوئية.. وبمجرد عودتك للقاهرة تستطيع أن تلعب الكرة وسط الشارع فى ميدان التحرير لو شئت.. بل إن بعض الأجانب يتصرفون بنفس هذا المنطق العشوائى هنا، لأنهم يرون المجتمع يتصرف على هذا النحو العشوائى.. وقد غلظت الحكومة العقوبات فى قانون المرور، ومر عام وشهران على تطبيقها دون أى شعور بأن اختلافا قد حدث، لأن التعديلات فرضت لجمع أموال أكثر من المواطنين مقابل المخالفات وليس لحل مشكلات المواطنين وإنهاء الفوضى المرورية، ولايمكن أن يحترم أحد قانون المرور مالم يشعر المواطن بأنه مستفيد منه وأنه يحقق مصالحه ويحافظ على حقوقه. والقانون مسؤولية القائمين على تطبيقه أولا.. فإذا شعر المواطن بالإصرار على تنفيذه من جانب المسؤولين، سيكون ملتزما بنصوصه وتعليماته، ومقتنعا بأنه سند له.. ولكن المواطن فى مصر لايشعر بأن القانون مفيد له، وأن حقه سيضيع إذا لجأ للقانون.. وهذا هو سبب حالة الفوضى العامة والانفلات التى تتزايد ونلمسها بوضوح فى مصر خلال السنوات الأخيرة، فوصل الأمر لأن الرجل المسن وكيل الوزارة السابق حينما تعرض لمشكلة من جانب سائق ميكروباص ظنا أن القانون سيحميه، دفع حياته ثمنا لهذا الظن!! وماحدث فى المهندسين منذ أيام لايختلف كثيرا عما يحدث فى مصر كلها.. وقد ساهم التركيز الإعلامى على الحادث فى سرعة التحرك وضبط الجناة.. ولو دخلت بعض المناطق العشوائية التى نشأت فى غيبة الحكومة وبسبب غفلتها، ستجد أن بعضها له قوانين خاصة به، وأن هناك فتوات تستطيع تأجيرهم لحل مشاكلك، وربما للانتقام من آخرين.. وأصبحت هناك تجارة للبلطجية، وهى تجارة بدأت وانتعشت مع الانتخابات البرلمانية عام 2000، حينما كان بعض المرشحين يستأجرون البلطجية باليومية للحماية أو للاعتداء على الخصوم.. واذدهرت تلك التجارة فى انتخابات عام 2005، ولم يتدخل أحد لوقفها، فأصبح اللجوء للبلطجية وسيلة لسرعة إنهاء المواقف العالقة.. وهذا كله مرصود ويحدث تحت سمع وبصر أجهزة الدولة، ولكنها لاتريد الاشتباك، فحماية النظام هى المهمة الرئيسية.. بل أصبح من السهل أن تجد خناقة فى شوارع القاهرة بالسيوف، وتجد فيها دماء كثيفة تسيل.. ولكن لاأحد يبحث عن مصادر هذه السيوف ونادرا ماتتدخل الشرطة بالحسم فى هذه المشكلات.. بل إن المواطنين لم يعودوا يشعرون بجدوى الإبلاغ بكل أسف. ماحدث فى المهندسين منذ أيام كارثة تثير الفزع ومنحنى شديد الخطورة فى علاقة المصريين بالقانون.. أعتقد أننا تجاوزناه بسهولة كما تجاوزنا المنحنيات السابقة دون أن يتحرك ساكن. ياترى.. مصر رايحة على فين؟ [email protected]