تجدد الجدل بين القضاة خاصة فى مجلس الدولة حول مدى قانونية كتابة الأحكام القضائية بالحاسب الآلى، بعدما قضت المحكمة الإدارية العليا، أمس الأول، ببطلان حكم أصدرته محكمة القضاء الإدارى منذ عامين بإلغاء قرار محافظ البنك المركزى بإلغاء 3 بنوك قائمة ودمجها فى كيان بنكى جديد هو «المصرف المتحد» لكتابة البيانات الأساسية فيه بخط اليد. واستندت المحكمة فى قرار البطلان إلى حكم أصدرته دائرة توحيد المبادئ بالإدارية العليا «بضرورة كتابة البيانات الأساسية فى الأحكام القضائية بخط اليد، وهذه البيانات هى رقم القضية وأسماء الخصوم ومنطوق الحكم بالإضافة إلى توقيع رئيس المحكمة وأمين السر، بهدف الحفاظ على سرية المداولة، لأن مسودة الحكم هى المرجع فى استنساخ الصور الرسمية والتنفيذية للحكم، وعند الطعن عليه من أطراف الخصومة». وسبق صدور حكم توحيد المبادئ أن أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع برئاسة المستشار حنا ناشد، رئيس مجلس الدولة الأسبق، فتوى تلزم القضاة بكتابة مسودات الأحكام بخط اليد وعدم استخدام الكمبيوتر منعا للتزوير وحفاظا على سرية المداولة بين أعضاء المحكمة. وقال المستشار عادل فرغلى، الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإدارى، إن حكم المحكمة الإدارية العليا صحيح لأن قضاء مجلس الدولة مستقر على بطلان الأحكام المكتوبة بالكامل بالحاسب الآلى، ووجوب كتابة البيانات الأساسية فى مسودة الحكم بخط يد القاضى كاتب الحكم، حتى يثبت أن زملاءه فى الدائرة شاهدوه وهو يكتب الحكم بنفسه، وأن يوقع رئيس الدائرة على الحكم بنفسه أيضا. وأضاف فرغلى أنه عقد خلال رئاسته لمحاكم القضاء الإدارى العام الماضى اجتماعا مع رؤساء الدوائر، واتفق معهم على جواز كتابة حيثيات الحكم فقط بالحاسب الآلى تيسيرا على القضاة الشباب الذين يجدون صعوبة فى كتابة الأسباب بخط اليد، ثم كتابة رقم الدعوى وأسماء الخصوم ومنطوق الحكم بخط اليد. وبرر فرغلى هذه التعليمات بأن «التطور التكنولوجى وتوحيد خطوط الكتابة فى أجهزة الحاسب الآلى قد يسمح بتزوير الحكم القضائى إذا كتبه القاضى كاملا بالكمبيوتر، لا سيما أنه عند تنفيذ الحكم يعتد فقط بمنطوق الحكم والترويسة التى بها رقم القضية وأسماء الخصوم». وأوضح فرغلى أن الورقة المعدة قانونا لكتابة البيانات الأساسية للقضية هى مقدمة الحكم القضائى التى تثبت أسماء الخصوم ورقم القضية، ولذلك يجب كتابتها بالكامل بخط اليد منعا للتزوير وتسهيلا لاستنساخ الصور الرسمية التنفيذية للحكم، ولا يغنى عن كتابة هذه الترويسة ذكر البيانات فى وقائع الحيثيات، حتى إذا أعيدت كتابتها أكثر من مرة، وإذا اختلف رقم الدعوى بين الترويسة والحيثيات فالعبرة بالمذكور فى الترويسة فقط. وفى المقابل قال قضاة بمجلس الدولة مؤيدون لكتابة الأحكام بالحاسب الآلى إن حكم دائرة توحيد المبادئ سمح فى حيثياته للقاضى بكتابة الحيثيات بالحاسب الآلى مواكبة لعصر التكنولوجيا وحتى لا يقف القضاء المصرى متخلفا عن ركب التطوير فى محاكم العالم، لكن دائرة توحيد المبادئ تخوفت فقط من مسألتى «إفشاء سرية المداولة وإمكانية تزوير منطوق الحكم وبياناته الأساسية». وأضاف القضاة الذين رفضوا نشر أسمائهم أنه إذا توافرت فى المحكمة الضمانات لسرية المداولة وعدم تزوير المنطوق، فإنه لا يوجد ما يمنع كتابة الحكم بالكامل بالكمبيوتر، حيث تتوافر حاليا فى أجهزة الحاسب الآلى إمكانية منع الزوار من الاطلاع على ملفات معينة مما يضمن سرية المسودات، كما تتوافر حاليا العديد من أبناط وأشكال الخطوط مما يضمن تمييز المسودة وكشف أى محاولة لتزويرها. وأشار القضاة إلى «عدم وجود نص فى قانون المرافعات يلزم القاضى بكتابة مسودة الحكم بخط اليد» مما يسمح بكتابته بأى طريقة تحقق الغرض بكتابة منطوق الحكم وحيثياته، كما أن المشرع فى قانون المرافعات جعل الحيثيات جزءا من البيانات الأساسية للحكم، مما يتعارض مع حكم دائرة توحيد المبادئ التى لم تعتبر الحيثيات جزءا من البيانات الأساسية. ويختلف الحال فى القضاء العادى عن قضاء مجلس الدولة تماما، حيث لا يوجد أى خلاف بين القضاة حول أسلوب كتابة مسودة الحكم طالما تحمل توقيع أعضاء المحكمة. ويقول القاضى أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، إن القاضى يمكنه كتابة المسودة بخط يده أو بالكمبيوتر، وتكون العبرة فى صحة الحكم بالتوقيع بخط اليد على أوراق المسودة، كدليل على إتمام المداولة فى الحكم. ويوضح مكى أن لكتابة الحكم القضائى مرحلتين الأولى هى المسودة ويمكن تعديل الأسباب فيها بعد صدور المنطوق طالما صدر المنطوق بعد المداولة، والمرحلة الثانية هى النسخة الرسمية التى يوقعها رئيس المحكمة والكاتب فقط، ويعتبر التوقيعان حجة قانونية لها ولا يعتد بغير هذه النسخة الرسمية عند التنفيذ.