أسعار الدولار اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024    هآرتس: خطة الجيش الإسرائيلى تقضى بحصار وتجويع كل من يبقى فى شمال غزة    بث مباشر من موقع حادث تصادم قطاري المنيا واستمرار حصر الضحايا    أسعار الأسمنت اليوم الأحد 13-10-2024 في محافظة البحيرة    انطلاق النسخة الافتتاحية من المنتدى اللوجستي العالمي بالرياض برعاية العاهل السعودي    48.52 جنيهاً بالمركزي.. استقرار سعر الدولار اليوم في البنوك    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الأحد 13-10-2024 في أسواق محافظة البحيرة    سلوفينيا تدين هجمات إسرائيل على قوات اليونيفيل في لبنان    إسرائيل تحت وابل من 320 صاروخًا خلال "عيد الغفران"    واشنطن بوست: طوفان الأقصى اعتمد على 17 ألف صورة كانت بحوزة حماس    "القرار كان منصف".. وكيل القندوسي يكشف كواليس جديدة في تحقيقات النادي الأهلي مع اللاعب    إيقاف حركة القطارات على خط الصعيد    توقعات حالة الطقس اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024: تغير مفاجئ وارتفاع في درجات الحرارة    الأوراق المطلوبة لاستخراج القيد العائلي وخطواته إلكترونيًا لعام 2024    الصحة: الدفع ب23 سيارة إسعاف إلى موقع حادث قطار المنيا ورفع درجة التأهب الطبي    هُمام إبراهيم لمصراوي: مصر كانت ومازالت نقطة انطلاق للفنانين العرب نحو الشهرة.. وسأقدم أعمالًا باللهجة المصرية - صور    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأحد 13-10-2024 في محافظة البحيرة    التعليم تكشف مواصفات امتحانات شهر أكتوبر للعام الدراسي الجديد    نشأت الديهي: محطة بشتيل ليست موجودة إلا في برلين    أول قرار من عائلة الطفل «جان رامز» بعد شائعة وفاته| خاص    فيلم أم الدنيا يفوز بجائزة الجمهور في حفل ختام مهرجان فيلم ماي ديزاين (صور)    حزب الله: استهدفنا آلية مدرعة للاحتلال بمحيط موقع راميا    ميكالي يواصل التنقيب عن المواهب لبناء جيل واعد في منتخب الشباب    القرآن الكريم| نماذج من البلاغة في كتاب الله    عالم أزهري: إعصار ميلتون هو جند من جنود الله ضرب أمريكا    خبير أمن معلومات يكشف أسباب انتشار تطبيقات المراهنات في مصر (فيديو)    خمسة لطفلك| أمراض الخريف الشائعة للأطفال وطرق الوقاية منها    لا تصدقوا استطلاعات الرأى.. دائمًا    خالد الغندور يكشف كواليس فشل مفاوضات الزمالك لضم محمود ممدوح من حرس الحدود    خالد الغندور يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي مع عدي الدباغ    اليوم.. انطلاق أسبوع القاهرة السابع للمياه برعاية الرئيس السيسي    سكان فلوريدا يعيدون بناء حياتهم بعد ميلتون    الزمالك يعلق على أزمة إيقاف القيد.. والسبب الحقيقي وراء عدم ضم إيجاريا    الاحتلال يستخدم روبوتات لتفجير منازل في غزة    مقتطفات من حفل سيارا وباستا وميسي أليوت بالسعودية (صور)    تامر عاشور يوجه رسالة لجمهوره بعد حفله في الإمارات    اللهم آمين| من دعاء الصالحين ل «الفرج والرزق والشفاء»    تعرف على موعد عرض مسلسل «6 شهور» ل خالد النبوي    قد تؤدي إلى التسمم.. 5 أطعمة ممنوع حفظها في باب الثلاجة    إلهام شاهين: سعيدة جدًا بلقب نجمة العرب عن مجمل أعمالي (فيديو)    «المحاربين القدماء» تنظم مهرجانًا رياضيًا فى الذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر    النيابة تقرر عرض جثامين أسرة لقيت حتفها على الطب الشرعي بالشرقية    الدبوماسي محمد غنيم يسلم أوراق اعتماده كسفيراً لمصر في فنلندا    «الأزهر»: نسعى لإدخال الروبوتات الجراحية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ل«المستشفيات»    وزيرة التضامن الاجتماعي تشارك في منتدي البرلمانيين العرب    استعدادًا لفصل الشتاء.. «المصري اليوم» ترصد مخرات السيول في القاهرة والجيزة    حريق هائل في الغردقة جراء تصادم سيارتين محملتين بالسولار والأسمنت| شاهد    موعد محاكمة المتهمين بسرقة أجهزة «تابلت التعليم» بمحكمة جنايات الجيزة    «يجيد الدفاع والهجوم».. أبوالدهب: حسام حسن كسب الرهان على هذا اللاعب    «مش عايز أعملك سحر».. مجدي عبدالغني يفاجئ إبراهيم فايق على الهواء    «البحوث الفلكية» يشارك في أسبوع الفضاء العالمي    «الأزهر»: إنسانية الغرب قد «ماتت»    إنفوجراف.. حصاد جامعة أسيوط خلال أسبوع في الفترة من 4 حتى 10 أكتوبر 2024    عضو بالشيوخ: محطة قطارات الصعيد نقلة نوعية للسكك الحديدية واستكمالا لتطوير المنظومة    الصحة تكشف تفاصيل المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تصفيات أمم إفريقيا - المغرب يكتسح إفريقيا الوسطى بخماسية    بحضور وزير الأوقاف.. "القومي للمرأة" ينظم ورشة عمل "القادة الدينين وبداية جديدة لبناء الإنسان"    تصل ل 9100 جنيه.. تفاصيل زيادة أسعار الانتقال بسيارات الإسعاف والفئات المعفاة منها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيل جديد من المدن الجديدة.. حقيقة أم كلام؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 05 - 2016

أثناء قراءتى لبرنامج الحكومة المقدم للاعتماد من برلمان الشعب، استوقفتنى بعض المخططات الكروكية الممثلة للمدن الجديدة الحالى إنشاؤها كجزء من الركيزة الرابعة للبرنامج والمعنية بالمشروعات القومية الكبرى.
المشروع القومى الثانى هو إنشاء جيل جديد من المدن الجديدة. وحيث إن الرسومات والمعلومات المقدمة فى البرنامج مقتضبة جدا وتفتقر إلى تفاصيل توضح الرؤى التخطيطية خلف كل مدينة، أو كيف تم تحديد الأولويات التنموية والاستثمارية لها، فلم يتضمن البرنامج إلا بعض الأرقام العامة عن الحجم وبعض المكونات العامة وعدد الوحدات السكنية المزمع إنشاؤها إلى جانب بعض المشاريع الخدمية والترفيهية بدون الإشارة إلى أحجامها أو استثماراتها، فلن نستطيع مناقشة هذه المقترحات بدرجة كافية من العمق. السؤال الهام فى هذا الخصوص هو لماذا تقدم الحكومة برنامجا يفتقر للتفاصيل لمجلس الشعب للاعتماد بما سيترتب على ذلك من اعتماد وتخصيص المليارات من الميزانية والقروض، ومن الالتزامات لأجيال لاحقة؟
***
يبدو أن حكومة عام 2016 مثلها مثل حكومات ما قبل عام 2011 مازالت تتعامل مع الشعب وممثليه على أنه يفتقر للوعى الذى يؤهله للتعامل مع المعلومات الكاملة لأى مشروع أو سياسة تقرر انتهاجها، ولذلك فلا داعى لمشاركته فى التفاصيل ويكفى ثقته فى رئيسه وفى إعلاءه لمصلحة الشعب!
هل معقول أن تكون هذه الثقافة التى نتج عنها ثورتان مازالت هى الغالبة على المنظومة السياسية المصرية، أم أن هناك سببا آخر؟ فمثلا هل يمكن أن يكون السبب الحقيقى يكمن فى أن مستوى المعلومات المتوفرة لدى الحكومة وقت الإفصاح عن المشاريع والبدء فى التنفيذ هى أصلا محدودة لعدم توفير الوقت والإمكانيات لإنهاء دراسات متعمقة للمشاريع مجاراة للضغط السياسى الذى يبدى دائما التنفيذ السريع؟... ممكن... وهذا ما قد يفسر ما نواجهه من فشل لكثير من مشاريعنا نكتشف أنه نتيجة ضعف دراسات الجدوى والتخطيط المسبق.
المهم دعونا نرجع لمخططات المدن الجديدة التى بدأنا بها حديثنا. السؤال الذى استثارته عندى هذه المخططات نبع من علاقتها بمسمى المشروع والمعنى بإنشاء «جيل جديد» من المدن الجديدة، بافتراض أن هناك أجيالا قديمة والتى إذا ما نظرنا لتاريخنا الحضرى المعاصر يمكن أن نصنفها كالآتى: فهناك جيل أوائل القرن العشرين مثل مصر الجديدة، ثم جيل ثورة 52 مثل مدينة نصر، تلاه جيل مدن الانفتاح مثل 6 أكتوبر و10 رمضان، ثم هناك جيل مدن الانفتاح الأكبر «أو الهروب» مثل القاهرة الجديدة. وبسبب بزوغ كل واحدة من هذه التوسعات العمرانية بعد وأثناء مرحلة محورية سياسيا واقتصاديا فى تاريخ الوطن فأغلبهم حمل فى طياته تعبيرا تخطيطيا ومعماريا عن رؤى تتناسق مع فكر وأولويات هذه المرحلة. فهل «الجيل الجديد» المشار إليه فى برنامج حكومة عام 2016 يمثل رؤية تخطيطة وتنموية جديدة تتفادى أخطاء الماضى وتساعد على تصحيح مسار التنمية العمرانية فى مصر؟ البرنامج للأسف لم يتطرق لهذه الأبعاد فهو اكتفى بإخطار ممثلى الشعب بأن القرار قد اتخذ وجارٍ التنفيذ... ولهم الرأى الأخير طبعا.
ولكن دعونا نأخذ مثالين للاستدلال عن ما إذا كانت هناك مؤشرات لوجود مثل هذه الرؤية الجديدة. أولى هذه المدن هى «العاصمة الإدارية الجديدة» والتى أدرج مخططها باسم «العاصمة القاهرة» «ولا أدرى إذا ما كان المعنى مقصود حرفيا!» والمدينة الأخرى هى مدينة «العلمين الجديدة». وحيث إن مقياس الرسم صغير فيصعب استيضاح تفاصيل التصميم، ولكن ما يوجد يكفى لقراءة التوجه التخطيطى العام لكل مدينة. المُلفت للنظر فى أول وهلة هو التباين القوى للتوجه التخطيطى للمدينتين. فالعاصمة الإدارية لها تخطيط مشابه جدا للمنتجعات السكنية الراقية التى تصمم حول ملاعب جولف وحدائق وبحيرات، فجميع شوارع المدينة متمايلة لا توجد بها أية زوايا قائمة، كأنها شوارع وممرات مشاة فى حديقة كبيرة لا يوجد بها تسلسل هرمى واضح لأولويات الحركة أو العناصر. ويمكن أن يكون هذا التوجه مقصود لكسر صورة الحكومة البيروقراطية بكل مخرجاتها الرتيبة والمتكررة وليدة فكر الستينيات الاشتراكى.
أما تخطيط مدينة العلمين الجديدة فى الصفحة التالية من البرنامج فنجده متناقضا تماما مع مدينة القاهرة فى غياب أى شارع متمايل فكل شوارعها متعامدة لتخلق تخطيط شبكى مشابه لأغلب المدن «الجديدة» المصرية مثل دمياط الجديدة وبنى سويف الجديدة... إلخ. وهو الفكر الصناعى الرامى لسلاسة التخطيط والحركة المعبر عن الفكر الصناعى لإنتاج المسلسل. ولكنها ليست بالمدينة الصناعية ومفروض أن تكون مدينة سياحية!
ماذا يربط بين هذين التخطيطين بما إنهما ينتميان إلى جيل واحد جديد من المدن الجديدة؟ ما هى الرؤية التخطيطية الجديدة التى يشتركان فى تفعيلها لإعادة صياغة المحيط العمرانى الذى نقطنه ونعانى من مشاكله المتراكمة من سوء وانعدام التخطيط؟ هل هناك رؤية أم إنهما فقط مثالين لأسلوبين من التخريط... أقصد التخطيط... للأراضى بهدف التسويق العقارى والبناء؟ نريد أن نفهم... بل من حقنا أن نفهم.
***
مما لاشك فيه أن التخطيط والتصميم العمرانى يعتبر تجسيدا ماديا للفكر والرؤى السائدة فى العصر، أو بالأحرى وفى حالة المشاريع الكبيرة مثل المدن هى تجسيد لفكر ورؤى صاحب السلطة والقرار. ولهذا فهذه المحاولة لقراءة هذه المشاريع وما تمثله من رؤى هامة جدا لأنها قرارات تغير من الواقع الذى نعيشه والذى ستعيشه أجيال كثيرة من بعدنا. والأهمية تزداد حينما يتعلق الموضوع بقرار إنشاء عاصمة جديدة لواحدة من أقدم وأعرق عواصم العالم وهى القاهرة لما لها من دلالات رمزية لا يمكن إغفالها. مع هذا القرار الجرىء لا يمكن للمخطط الهروب من الإجابة على عدة أسئلة هامة ومحورية بخلاف الجوانب المادية والوظيفية مثل:
• ما هى الإضافة التى يمثلها المكان الجديد لجودة الحياة فى المدينة الأكبر؟
• كيف يرتبط المكان الجديد بالقديم وكيف تتواصل ذاكرة المكان؟
• كيف يتعامل المكان الجديد مع هوية المكان؟
• كيف سيؤثر التدخل الجديد على مسار التطور والتغيير فى المدينة الأكبر؟
هذا إلى جانب أسئلة أخرى كثيرة هامة لتحديد الرؤية التخطيطية والمستقبلية لمثل هذه المشاريع الفاصلة فى التأثير على مسار التطور العمرانى للوطن. التاريخ المعاصر والقديم يقدمان لنا أمثلة عديدة لمشاريع مدن وعواصم جديدة مدفوعة بأهداف متنوعة لأصحاب تلك القرارات من رمزية سياسية إلى تعظيم وتخليد لزعيم. فمن الضرورى، بل من الواجب كجزء من العملية التخطيطية نفسها فتح حوار شامل لهذه المشاريع المقترحة على خلفية مثيلاتها فى الماضى وفى إطار تصور الشعب لمستقبله وللحياة التى ينشدها. وهذا للأسف ما لم يحدث.
فما هى إذا الأهداف الاستراتيجية والرؤية العمرانية لمدينة العاصمة الإدارية كما تخيلتها السلطات خاصة أنها تتناقض مع «استراتيجية التنمية العمرانية للقاهرة الكبرى» والتى أصدرتها وزارة الإسكان مع الهيئة العامة للتخطيط العمرانى عام 2012. ما هى الرؤية الدافعة للمشروع لأنها بالتأكيد أكبر وأوسع من «نقل عدد من الوزارات ومجلس الوزراء ومجلس النواب من مدينة القاهرة... بالإضافة إلى إنشاء قاعة للمؤتمرات ومدينة أوليمبية بما يساهم فى تخفيف الزحام داخل القاهرة».
هذه المدن بما تمثله من قرارات تساهم فى تشكيل الواقع الذى سيعيشه ويدفع ثمنه أولادنا وأحفادنا لأجيال عديدة قادمة، وهذا أمر خطير ويهم كل مواطن مهما اختلفت خلفيته الاقتصادية أو الاجتماعية.
نريد أن نفهم تفاصيل هذه القرارات، بل من حقنا أن نفهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.