(6) " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب! طوبى للرجل المتوكل عليه." (مز 8:34) من يتذوّق الرّبّ، لا يمكنه إلّا أن يعود إلى هذا النّبع الوافر المحبّة ويستقي منه حتّى الثّمالة. ومن يحتمي به، يسير مطمئنّاً واثقاً أنّه صاعد أبداً نحو قلب الله، مهما كان محاطاً بالمصاعب والمشقّات. أن نتذوّق الرّبّ، فهذا يعني أنّنا جعلناه منغمساً في كلّ ذرّة من كياننا. وكما أنّ الغذاء المادي يتوزّع على الجسد كلّه، ويؤمّن نموه بشكل كامل، كذلك من اغتذى من الرّبّ، نما كيانه كلّه وتوجّه نحوه. هذا الغذاء يوقد الشّوق في قلب المؤمن ويقرّبه أكثر فأكثر من المحبوب الإلهي. فالله يسكب حبّه في قلب الإنسان، ويدعوه للحبّ. لا يستطيع الإنسان أن يحبّ الله بمبادرة شخصيّة، لأنّه مهما بلغ من محبّة، تبقى محبّته خاضعة للنّقص. " نحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلًا." ( 1 يو 19:4). لذا، كلّما تذوّقنا حبّ الرّبّ أحببناه بقلبه، فيتعاظم حبّنا ويزداد شوقنا أكثر. ويظلّ هذا الشّوق يستعر ويضطرم حتّى يستريح في قلب الله. " عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله" ( مز 3:42). ( 7) " إن أحبّني أحد يحفظ كلامي، ويحبّه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً." ( يوحنا 23:14) الثّقافة السّائدة عن مفهوم عبادة الله تتّسم بمعنىً يتأرجح بين إرضاء الله وربح الجنّة. إلّا أنّ هذا المفهوم يأخذ منحىً أعمق وأسمى مع المسيح، يخلص إلى خلق علاقة حميمة مع الله وإلغاء المسافة بينه وبين الإنسان. تختصر الآية الثّالثة والعشرون من إنجيل القدّيس يوحنا الفصل الرّابع عشر، العبادة المسيحيّة المتجدّدة والمعبّرة عن علاقة مباشرة وخاصّة بين الإنسان والعائلة الإلهيّة. وبالتّالي يمسي مفهوم العبادة مرتبطاً بالانضمام إلى الحياة الإلهيّة والإنسان ما برح حيّاً في العالم. – " إن أحبّني أحد يحفظ كلامي". ليس الحديث هنا عن حفظ غيبيّ للحرف بل عن حفظ كلام الرّبّ في القلب والتّأمّل به وعيشه في كلّ حين. إنّ عبارة ( إن أحبّني أحد) السّابقة لحفظ كلام الرّب، تؤكّد ضرورة حضور الحبّ في العلاقة مع الله. فالحبّ هو الدّافع الوحيد للسّير على طريق الرّبّ. فلا الخوف من نار ولا الطّمع في جنّة ولا حفظ للحرف يوطّد العلاقة القائمة بين الله والإنسان. وحده الحبّ يعزّز هذه العلاقة، ويبدّل حياة الإنسان ويوجّهها نحو القداسة. – " ويحبّه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً". من أحبّ المسيح أحبّ الآب. ويحتّم هذا الحبّ حضور الله شخصيّاً في حياة الإنسان. فالله يشتاق إلى خطوة حبّ من الإنسان ليأتيَ إليه ويسكن معه إلى الأبد. ومن أحبّ المسيح وسار به ومعه نحو الحياة تلمّس حقيقةً هذا الحضور وأيقن بما لا شكّ فيه أنّ المسيح الحيّ نبع حبّ لا ينضب. " إنّي متيقّن أنّه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله الّتي في المسيح يسوع ربنا." ( رومة 39،38:8).