(1) عرقل زميله فكفاه على وجهه ثم جلس على ساقه و أخذها تحت إبطه و ثناها عكس جسده ، ثم أخذ يضغط بعنف كما يفعل المصارعون حتى سُمع صوت انكسار العظم فتركه و هرب ، أما زميله فحُمل إلى المستشفى ليبقى أسير الكسر المضاعف و الجبس لأربعة شهور ستمتد إلى الخامس ، و يبقى أهله ضحايا معاناته و آلامه و الدوران به بين الأطباء لمعرفة سبب طول المدة و عدم التئام الكسور. (2) عاتبه لأنه يغازل ابنة قريته ..... حدثت مشادة كلامية ..... أخرج مطواة من جيبه ثم ضربه ضربة واحدة في رقبته فانقطع الشريان الرئيسي و خر صريعاً في الحال. (3) أراد أن يتجاوز طابور الخبز و أن يأخذ ما يريد دون دور ، منعه أحدهم .... لم يعجبه و أحس أن كرامته جُرحت فذهب و عاد بزملائه يحملون مطاوي ، حاصروا صاحبنا ، الذي لم يستطع الهروب لإصابته بإعاقة في ساقيه ..... طعنه أحدهم في صدره فكانت الطعنة. ظل صاحبنا ملقى على الرصيف ينزف و لم يحركه أحد من مكانه ، كما روى لي الشهود ، لمدة ساعتين و الناس يتصلون بالنجدة و لا مغيث ، فكل هم متلقى المكالمة أخذ بيانات المتصل ، و الناس بين رجاء انقاذ المطعون و الخوف من إعطاء بياناتهم للنجدة أو نقله بسيارتهم الخاصة خشية الوقوع تحت طائلة س و ج . في النهاية تم نقله إلى المستشفى ليتم عمل اللازم ، لكن بواسطة الطبيب الشرعي . ************************************** ما سبق ليست قصصاً من وحي خيالي فالأولى كانت لأصغر أبنائي ، و المصارع الذي كسره زميله بالصف ، و هما طالبان بالصف الثالث الإبتدائي. و الثانية لم تكن قصة ست الحسن ولا حكاية أبو زيد الهلالي أو روميو إنما قصة ثلاثة طلاب في الصف الأول الثانوي الزراعي. أما الثالثة فلم تكن مشهد من فيلم دائرة الانتقام ، لكنها قصة قتيل مراهق لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره قتله مراهقون يدرسون بالمدرسة المجاورة للمخبز. العامل المشترك في الحالات الثلاث صغر سن الجناة ، و هو سن محسوب قانوناً ضمن مرحلة الطفولة ، لكن الملاحظة الأخطر هي جرأة هؤلاء البلطجية الصغار و وصولهم ببلطجتهم إلى أبعد مدى و هو القتل ، و هو مدى كان يتجنبه و يتحاشاه عتاة البلطجة و محترفيها . لقد انتشر السلاح بكل أنواعه بين المراهقين و أصبح مألوفاً أن تراهم يشهرونه في وجه كل من يختلف معهم ، و بعد أن كان و جوده مقتصراً على نوعيات معينة من المواطنين المصنفين أمنياً كسوابق أو مسجلين خطر ، أصبح مألوفاً أن تراه بين طلاب المدارس بكل مراحلها و داخل أسوارها دون رقيب أو حسيب ، أو رادع أو مانع . لقد أصبح العنف الذي يصل حد الفوضى أحد الظواهر الإجتماعية ، و أصبح الاحتكام إلى الذراع و القوة أحد المعايير التي استجدت على هذا المجتمع لجلب حق أو سلبه. إن بطء العدالة و تخاذل الأمن و ضياع الحقوق بسبب الواساطات التي تتكئ على نفوذ السلطة أو المال أول أسباب البلطجة بكل أنواعها ، سواء بلطجة الكبار أو بلطجة الكي جي 2 موضوع هذا المقال. كما أن إفرازات الممارسات السياسية في الحقبة الأخيرة ولّد طبقات سياسية و إجتماعية تعتمد كليةً في حركاتها و حساباتها السياسية و الإقتصادية على البلطجية كوسيلة فاعلة لتحقيق أهدافها ، و هو ما كان واضحاً و جلياً في الانتخابات السابقة . أيضاً لعبت السينما خصوصاً ، و الفضائيات عموماً ، دوراً خطيراً في نشر العنف و تمجيد البلطجة . فأفلام من عينة " إبراهيم الأبيض ، و حين ميسرة ، و محطة مصر ، و الجزيرة ، و الريس عمر حرب و غيرها و غيرها " من الأفلام التي تمجد البلطجي و تظهره بمواصفات الفارس و تجعل المشاهد يتعاطف معه من أول مشهد إلى أخر مشهد لها دور كبير في خلق بلطجية الكي جي 2. لقد كان هدف المنتجين من وراء أفلام الأكشن ، التي يقلدون فيها أفلام العنف الأمريكية بكافة مشاهدها من قتل وحشي إلى مطارادات السيارات ومشاهد اصطدامها و قلبها و حرقها ، إلى التفجير باستخدام الديناميت و المولوتوف ، الربح ، فكان الناتج أن ربحو هم ملايين الجنيهات وخسرنا نحن ملايين الشباب الذين هم عماد هذه الأمة و ركنها الحصين الذي تستند إليه و تتوكأ عليه وقت المحن و الشدائد. أعتقد يقيناً أن الذي كسر ابني الصغير ضحية ، لأنه مهما كان طفل فاقد الأهلية ، لكن ما فعله كان تطبيقاً عملياً لمشاهداته في برامج المصارعة التي ملئت الفضائيات ، و أفلام العنف بكل أشكالها و التي امتدت لتصيب المسلسلات بعدواها. إن هذا الطفل ضحية إهمال" أم " تركت طفلها طليق الشارع حتى تريح بالها و تزيح عن رأسها ، فتعلم الطفل كل لغات الشارع البدنية و اللغوية ،و تحول إلى كائن صغير يشعرك و أنت تجلس أمامه أنك لا تجلس قبالة طفل صغير ، بل مشروع بلطجي عتيد الإجرام بكل لفتاته و حركاته. هذا العتي الصغير كان سبباً لمعاناة إبني النفسية و هو يتساءل ببراءة شديدة ممزوجة بالحزن : " لماذا فعل بي هكذا و أنا أحبه و كنت ألعب معه و طلبت منه أن يجري خلفي ليمسكني ..... لا ليكسرني ؟!! " كما أعتقد يقيناً أنه يجب التخلص من بعض الإجراءات البالية و السخيفة التي يصر عليها البعض و منها تقديم أخذ بيانات المتصل على إنقاذ نفس تصارع الموت ، و محاسبة من يتراخى عن تقديم المساعدة من النجدة حساباً عسيراً ؛ لأنه شريك بتقاعسه في إزهاق روح . إن الإصرار على أخذ بيانات المتصل أو إهمال البلاغ جريمة بشعة ، لأن من يتصل يتصل بوزارة الداخلية ، فإن كان البلاغ حقيقياً فإن الإستجابة السريعة له تطبيق عملي لشعار " الشرطة في خدمة الشعب " ، و إن كان المتصل يتسلى و لم تستطع الوزارة بكل إمكاناتها المتاحة الوصول إليه و جعله عبرة لغيره من المستهترين ، فإنها طامة ما بعدها طامة ، و سيكون من الأفضل إغلاق الوزارة و توفير نفقاتها لأي بند آخر. كما يجب التخلص من تلك الإجراءات التي تعاقب الشهم على شهامته و تجعله يندم على تقديم يد المساعدة للأخرين ، و أن يحل محلها إجراءات تكرمه و تمجد فعله ليكون قدوة للآخرين ، فالشهامة جزء أصيل من صفات أي مجتمع يسعى لإعادة بناء نفسه إجتماعياً و نفسياً . إنني أطالب الحكومة بخطوات جدية للقضاء على البلطجة ، لنحظى بمصر الآمنة التي لطالما عشنا فيها و نريدها لأبنائنا و أحفادنا . إن القضاء على البلطجة لن يتأتى إلا بالعقاب العلني الرادع السريع ، فالقاتل الباغي الذي رأه شهود يجب ألا يطول حسابه و التحقيق معه ، يجب أن يُأخذ إلى نفس مكان ضحيته و يقتل أمام الناس ليكون عبرة لغيره . يجب أن يُهان المغتصب و المنتهك لحرمات النساء أمام الناس و يُعدم بلا شفقة أو رحمة ، يجب أن تعود للمدارس صلاحيتها و يعاقب في الطابور كل طالب جرؤ على انتهاك حدود الأدب و اللباقة أو جرؤ على حمل سلاح مهما كان نوعه و يُستدعى ولي أمره و يُعنف و يُقرع لعدم إحسانه تربية من أرسله للتعلم دون أن يحسن تأديبه. يجب أن نعيد تقييم المنظومة التربوية و الإعلامية و أن نستبعد منها كل ما أدى إلى أي ظاهرة سلبية و أن نعضد و ندعم كل ما يؤدي إلى قيم إيجابية.