أشرقت شمس يوم جديد، وبينما كان مأمور مركز شرطة ميت غمر حاضرًا للتو لمكتبه، كان يقف حامد، وشقيقاه"سامح وربيع"، ليبلغوا بعثورهم علي جثة شقيقهم الرابع محمود داخل حظيرة مواشي تابعة لهم، زاعمين أنه مات متأثرًا بجرعة مخدرات زائدة، انتقل الرائد أحمد فريد رئيس المباحث إلى مكان الواقعة للمعاينة، لاحظ وجود عصا بها آثار دماء، كما تظهر على جسد المتوفى علامات الضرب، ومن هنا أدرك رئيس المباحث، أنها ليست بسبب المخدرات، وتوالت بعدها المفاجآت! الأحزان والهموم تكسو الوجوه، وقلة حيلة تنطق بها العيون قبل الأفواه، تلك هي الحالة التي تسيطر على بيت الشاب "محمود" الذي قتله شقيقاه نتيجة سرقته أحد الجيران، بالتأكيد هم لم يقصدوا قتله، فلا أحد يهون عليه دم أخيه، لكن مع شدة تأيبهم له، سقط جثة هامدة، وفقدت أسرته أربعة من رجالها؛ واحد أصبح في القبر، والآخرين زج بهما داخل السجن، تاركين بيتهم دون عائل، ومن ورائهم ستة أطفال! كيف كان الحال في قرية ميت ناجي، بمركز ميت غمر، بالدقهلية، والتي تبعد عشرات الكيلو مترات عن القاهرة؟!، كنا نعتقد أن أهل الضحية لن يوافقوا على الحديث معنا، وخصوصًا أن القاتل هو الآخر ابنهم، ولكن منذ أن وضعنا أقدامنا داخل القرية، لاحظنا أن سحابة الحزن تعم المكان، التقينا بوالد المجني عليه، وهو رجل عجوز تخطى ال 95عامًا، لا يقوى على الحركة ومنذ الحادث لا يستطيع أن يتحدث، ووجدنا الأم تجلس علي الأرض، ترتدي جلبابًا أسود، وهي الأخرى عجوز تخطى عمرها ال 80عامًا، بدأت تحكي لنا تفاصيل ما حدث، قالت: "محمود الله يرحمه كان مسالمًا وفي حاله، عامل باليومية، وهو الابن الأصغر، بينما حامد هو الابن الأكبر، يملك محلًا لبيع العصائر، وسامح هو الآخر لديه متجره الخاص، بينما ربيع يعمل فلاحًا. وعن تفاصيل يوم الحادث، قالت: "الحكاية بدأت يوم الخميس بعد صلاة العشاء، عندما أتى أحد الجيران يشكو أن محمود سرق من بيته أسلاك كهرباء، وأسطوانتين غاز، فسألته هل رأيته بعينك؟، فقال:"أحد الأشخاص شاهده وأبلغني أنه هو، لم أنم في هذا اليوم، فما أقسى أن يتهم أحد ابني بهذه التهمة الشنيعة! أشرقت نور الشمس لتعلن عن بدء يوم جديد، لكن كانت أحداثه سريعة قبل أن يبدأ على هذه الأم المسكينة، جلست على الأرض تستعد لعمل الخبز، ودون سابق إنذار رأت ما لا تتمناه العين أبدًا؛ أولادها الثلاثة الكبار يضعون جثة ابنها محمود على الأرض، وحتى هذه اللحظة، لا تعرف ماذا حدث؟، واستكملت حديثها: "يوم الخميس كان محمود في فرح أحد أصحابه ولم يأت إلا في الثانية صباح اليوم التالي، ولا أعرف متى وكيف حدث هذا؟، ولكن ما أعرفه جيدًا أن أولادي لا يمكن أن يقتلوا أخيهم". بدأت الدموع تسيل من عينيها، ويبدو أن الزمن لم يحنو عليها طيلة حياتها، وكيف تتقبل هذه الأم المسكينة فكرة أن أولادها قتلوا شقيقهم، أصبحت لا تتمنى سوى أن يعود الثلاثة بين أحضانها من جديد ومحمود تحتسبه عند الله، لتختتم حديثها معنا قائلة: "اللي حصل ده موت وخراب ديار، ابني الصغير مات، وباقي أولادي في السجن، أنا عايزه ولادي، فمن سيخدمنا الآن، ومن سيربي هؤلاء الأطفال الصغار". فريق البحث:- اللواء محمد شرباش مدير إدارة البحث الجنائي الرائد أحمد فريد رئيس مباحث ميت غمر النقيب أحمد لطفي معاون المباحث